الجمعة، 24 أكتوبر 2014

أدراج الرياح ...


سؤال مجنون يعتصر عقلي وروحي ، يخنقني كرقة بالية ملفوفة بإحكام حول عنقي وصدري بنفس الوقت ، فإن مر شهيق تسللا إلى صدري لم يجد مكانا يسعه فيعود أدراجه أو يحتبس ................. كيف أطوي ما كان بيننا ؟ وكيف ينسى المرء اشتعال روحه واشتغالها بروح أخرى ؟ 
هل يمكن أن يذهب كل هذا الحب سدى ؟ هل يمكن أن ينطق أحدهم ما ليس يحويه فؤاده ويصدقه ؟ هل يكذب الإنسان في مقولة الحب والإخلاص ؟ كيف ينسى ما ترك طابعه ورحقيه عالقا بجنبات روحه ؟ الجسد يشتهي ويصوم يرغب وينفر ويتغير تبعا لحاجاته المادية ، أما الروح .. تلك الجوهر المكنون بالدواخل ، يصيبها الغبار وتلونها الأبخرة ، ألوانا عابرة جدا ، تأثيراتها في عمر الأرواح لحظية ، ويبقى المعدن وأصالة الجوهر مهما مر بتلك الروح من خطوب ، وتعلق بالروح أشياء رقراقة أصدق ما نقرأ وأنقى ما نجرِّب وأكثر الأشياء حقيقة وصدقا هو ما يعلق بأرواحنا ويطبع قبلته الوردية على جوهرنا فيصير منها ، فكيف يُمحى ويُنسى ما تعلق بالروح ويذهب أرداج الرياح ؟

كان هذا التساؤل يعتصرني ، يقتلني ، يجعلني أختنق ، أشهق ، أحاول سحب أية أنفاس للداخل ، وكأني أسحب روحا جديدة للحياة ، أفشل ، أزفر طويلا ، أنشج وأبدأ في بكاء مرير ، بكاء العالق بين الحياة التي لا تشبه أية معاني الحياة إطلاقا ، وبين موت صار كأمنية عزيزة التحقق ، حتى التقيت اليوم مقولة الروائي " باتريك موديانو - الأفق"

هل يُمكن فعلا أن تذهب الكلمات التي تبادلها عاشقان خلال لقائهما الأول أدراج الرياح، كما لو أنها لم تلفظ قط؟! هذه الهمسات، هذه الأحاديث الهاتفية عبر الزمن، آلاف الكلمات، هل تضيع كل هذه العبارات اللامعة التافهة ويكون مصيرها النسيان؟!"



أرتعب أن يكون هذا هو ما حدث بيننا ! أثور بداخل رأسي ، أدور ، أذهب مجيئة ورواحا ، أكاد أجن ، كيف بك تنسى وتتجاوز كل الأمر ؟ بلا رمشة جفن لك ؟


ثم ! إن كانت الأشياء تعلق بالروح ولا تمحى من الذاكرة ، كيف كنت تقول أنك نسيتهن ثم أني كنت أصدقك ! ثم أنك اليوم تنساني !


ثم إن كنت تكذب ... كيف لأعشق رجلا يحمل من بقايا النساء شيئا بداخله ؟ وقد استوطن قلبي وعاث فيه فسادا كيفما حلا له !


ثم ....... لربما ......... لربما كان ما كان بعيدا عن روحه خاصتي ! وهل كنتِ أنتِ الروح خاصته ؟ فكيف إذن يترك المرء روحه ويهرب ؟ وكيف تصبح كلمة الحب مشاعا لا تتخطى الألسنة ؟ وكيف تتخطاها وتترك في الوراء كي تذهب أدراج ريح عابثة ؟ ثم كيف لا يرتبك القلب كلما سمع تكرار العبارة على شفاه عاشقين آخرين ؟ كيف لا يضطرب قلبه وتعود إليه كل تلك الروائح والملامس والأصوات والصور ؟ كيف لا تعود ألوان الذكرى ساطعة في عمق روحه ؟ إن كان تعمق ؟


ثم ! كيف يكون الحب حبا إن لم يقترن بين روح واخرى ؟ إن لم يكن وسيط تعرف توائم الأروح ببعضها ؟ إن لم يكن تلك المرآة التي يلتقي كل واحد منهما فيها نفسه الأخرى ؟ وكيف أراك نفسي ولا تراني ولا تكون ؟


أصابني العمى كل تلك السنون ؟ أم أن كل ما خبرته في الحياة لم يخلص منه في وجداني وواقعي إلا العبث المحض ؟


أشياء تصطرع ، وما عدت أملك إلا محاولة الهروب منها ،إجاباتها قياسا على الأمر الحادث سوف تفقدني آخر أسباب الحياة ...... كلمات تدور ... لا أجد ثوبا من الألفاظ يحملها إلى الخارج ويظهرها كما هي .... لا شيء أصعب من صراعات الروح .






يكتبون ويكتبون ... يفتح كل سطر جرح آخر ... ينهش في ذاكرة مؤلمة .... لماذا تختار البشرية أصعب طرق الألم ؟ وأسهل طرق التخلي والهرب ؟ لماذا لا يصبرون قليلا ؟ لماذا لا يختارون الأصعب ؟ قمة الجبل دائما ما تحمل رؤية التفاصيل الرائعة ... ما الممتع في قاع مخزٍ ومؤلم ؟ .... أتسائل كطفلة صغيرة ...... أين ذهب الفرسان يا أمي ؟ لماذا لا يحارب أحدهم قليلا ؟ قليلا فقط ؟ لماذا لا يصمد أمام تلك الرياح التي لم تهز شعره ؟ لماذا لا يقرر خوض المعركة ؟ لماذا يا أمي يكتبون الحب .... يزينون عباراته ... ثم يتركون رسائلهم في مهب الريح ؟






قد كنت لمتني أني لا أقول الحب في كلمة ....... هذا لأن ما كنت أشعر به ما كانت لتحويه أصوات متقطعة !

هناك 4 تعليقات:

  1. "يكتبون ويكتبون ... يفتح كل سطر جرح آخر ... ينهش في ذاكرة مؤلمة .... لماذا تختار البشرية أصعب طرق الألم ؟ وأسهل طرق التخلي والهرب ؟ لماذا لا يصبرون قليلا ؟ لماذا لا يختارون الأصعب ؟ قمة الجبل دائما ما تحمل رؤية التفاصيل الرائعة ... ما الممتع في قاع مخزٍ ومؤلم ؟ .... أتسائل كطفلة صغيرة ...... أين ذهب الفرسان يا أمي ؟ لماذا لا يحارب أحدهم قليلا ؟ قليلا فقط ؟ لماذا لا يصمد أمام تلك الرياح التي لم تهز شعره ؟ لماذا لا يقرر خوض المعركة ؟ لماذا يا أمي يكتبون الحب .... يزينون عباراته ... ثم يتركون رسائلهم في مهب الريح ؟"
    أعجبتني بشكل خاص!
    والكل رائع :)

    ردحذف
  2. يالأمس قرأت كل تدويناتك منذ بدأت المدونة في يوليو 2013، مبهرة، لا أعرف ماذا أقول لكِ، لكن أنا واثق أنك ستحصلين على ما تتمنين يومـًا ما :)

    ردحذف