الاثنين، 31 مارس 2025
على هامش الحكي .... ليالي العيد
السبت، 1 مارس 2025
هل يختار النرجسي السقطة واللقطة؟ ... 2
الحياة مع النرجسيين ممتعة، تجعلك دائما في إثارة، مثل راكبي الأمواج، ترتفعين وتهبطين، لا وقت لالتقاط الأنفاس، لا مجال للتفكير، سوف يحزنك ويحطم قلبك بكلمة، وسوف يأخذك للعشاء الرومانسي الذي تتمناه كل فتاة وكل امرأة، سوف يكسر كبرياءك بقوة، وينحني أمامك ليربط حذاءك ويقبل يدك! سيجعلك تبكين بقهر، ويرتمي في أحضانك ويبكي مثل طفل صغير، لن تفهمي أبدًا من هو؟ وماذا يريد؟
تهربين؟ لا، في الحقيقة لن تهربي منه أبدًا، لأنك وبشكل لا واعي في صراع مع أمرين كليهما مر، الأول: شعور باطني بأنك أمه، هو ضعيف يحتاجك، يبكي أمامك، يقول أنه يشعر بالضياع بدونك، أنت الحياة والأنفاس الصاعدة والنازلة في صدره، والثاني: أنت لا شيء بدونه! هو ملجأك وحمايتك، العالم القاسي لا يحبك أبدًا، وهو الوحيد الذي أحبك، هو الوحيد الذي يحتمل جنونك أو هدوءك، عصبيتك أو برودك، عاطفيتك الساذجة أو منطقتك اللاذعة، هو الوحيد الذي يريدك في هذا العالم، ثم بعد وقت كاف من غزل الشباك حولك، أصبحت دائرة معارفك هي دائرته، هو المحبوب فيها أكثر منك بألف مرة، دائرة تثقين فيها لأنك تثقين بها، لكن في أعماقك تعرفين أنها دائرة لا تشبهك، وأناس لن يختاروك فوقه، ولا أحد منهم يحبك بصدق، أنت لا تنتمين لهذه المجموعة، وتعرفين هذا بعمق أعماق داخليك، لكنك لا تفهمين هذا الشعور بعدم الراحة وأنت معهم! سوف لن يبقى لك احد من أصدقائك، ولا حياتك!
وعندما تكسرين الدائرة وتهربين، سوف تكونين محطمة، مدمرة، لا شيء في داخلك سوى الخواء، والألم، والضياع يحيطك، لا شيء حولك ولا أحد معك، ربما تكونين ذكية بما فيه الكفاية وتحافظين على صديقة أو اثنتين، ربما تكونين محظوظة ويكون لك اخ او أخت، ربما لاقيت المساعدة، وربما لاقيت الوهم، ولكن في كل الأحوال لا شيء سينصلح قبل أن يمتليء داخلك، ولا أحد يستطيع أن ينقذك (حتى إن أرادوا وسعوا لذلك) إلا أنت! وعليه، فأنت الآن المنقذ والضحية والجاني، حزلئوم وغسان مطر وأدهم، انت الجميع، وانت لا أحد!
هل يختار النرجسي السقطة واللقطة؟
بالطبع لا، هذا أول ما يجب أن تعرفينه في طريق العلاج، في طريق النجاة، في طريق العودة إليك مرة ثانية، لا يختار النرجسي إلا المميزة، التي يتباهى بها، والتي تشعره بالانتصار، والتي هي أفضل منه كثيرًا من نواحي قد لا تظهر للعيان، يختار القوية، يختار التي يعرف أنها لا تحتاجه، لأن التحدي يكمن في جعلها تحتاجه، في جعلها لا شيء بدونه، في إشباع شعوره بالفوقية والانتصار.
أول طريق نجاتك للحياة من جديد، هو نسيان كلامه تماما، أن تقولي لنفسك عكس كل ما قاله لك، حتى لو كان رومانسيا، لو قال لك احب عقلك وهدوءك، قولي لنفسك احب أنني مجنونة وصاخبة، استعيدي نفسك باستعادة عاداتك القديمة، الأشياء التافهة قبل المهمة، العادات الصغيرة قبل الكبيرة، التي تبقيك على الحياة لا التي تجعلك تحت المجهر، كوني نفسك مرة أخرى، اكتبي، اسألي صديقتك المقربة، وازني أمورك ببطء وثبات، واجعلي هواياتك هي رفيقك، لا تتسرعي بالدخول في علاقة لإنها على الأرجح ستكون مع نرجسي آخر، ولكن اختلي بنفسك اكثر، ابداي حياة اجتماعية جديدة، استعيدي أصدقاءك أنت البعيدين عنه، واقطعي دوائره القريبة منك، الصالح منهم والطالح، انتبهي لنفسك، وكوني أنانية لفترة، أنانية جدا، بعدها سوف تستعيدين توازنك، اطلبي المساعدة، المساعدة النفسية مهمة جدا، ولكن أكثر العمل سيكون عليك، عليك وحدك، ولهذا تذكري:
أنت لست السقطة واللقطة
أنت جميلة وقوية
أنت ناجحة ومميزة
أنت ضحية أصعب إنسان على الأرض، لإنك مميزة جدا لا لإنك سهلة، لا لأنك بسيطة، لا لأنك ضعيفة، بل لأنك الأذكى والأعقد، والأجمل والأقوى بين كل من عرف!
ستمرين بتجربة صعبة، لكنك بعدها ستكونين أجمل وأقوى وأرفع مما كنت عليه!
أعدكِ!
الأحد، 23 فبراير 2025
هل يختار النرجسي السقطة واللقطة؟
هذه المقالة تحديدًا موجهة لكل امرأة (أو رجل) نجت مثل العنقاء من نيران النرجسي ...
عادة ما تواجه ضحايا النرجسيين اضطرابًا واضحًا في الشخصية، ينسون أنفسهم، ماذا يحبون؟ من هم؟ ماذا يحدث؟ ينفصلون عن جلودهم، ويشعرون بالخوف من أشياء عادة لا تخيف، لكن أكثر كوابيسهم سوداوية هو شعور حاد بالدونية وعدم الاستحقاق زرعهم النرجسي بداخلهم ورعاهم بعناية شديدة، فتخرج كل امرأة من تلك العلاقة وهي تشعر بأنها كانت محظوظة بحب النرجسي، أو بأنه لن يرغب بها أحد، لا تقول تلك الكلمات البسيطة لنفسها، لا تواجه نفسها بهذا الشعور أبدًا، تعرفه، تعيشه، لكنها لا تفهمه، ولا تصيبه، لأنها لو فعلت لانحلت المشكلة.
النرجسي هو شخص أناني جدًا، يشعر بال "أنا" شعورًا لا يضاهيه شعور من كِبر واستحقاق، يشعر أنه كثير على هذا العالم، أن كل شيء يجب أن يعمل لصالحه، الدراسة، العمل، العلاقات، الجيران، الكون! وبالتالي هو منظم ودقيق فيما يريد، فهو لا يترك مجالا للحظ أو الصدفة، هو يخطط بذكاء شديد وصبر عميق، يعرف متى ينقض ومتى يهدأ.
هل تظنون أن شخصًا بالشعور العالي جدا للأنا والاستحقاق قد يختار لنفسه امرأة لا تشكل علامة فارقه في سجل حياته؟ طيبون!
هذا شخص تنافسي، ينافس العالم، ينافس نواميس الدنيا، إن كان فقيرًا سوف يبحث عن امرأة أشد ثراءً منه، وإن كان مقيدًا سيبحث عن امرأة ترفرف بأجنحة الحرية، وفي كل الأحوال، سيبحث عن امرأة مثيرة، امرأة تستفز استحقاقه، امرأة تشعل الرغبة في الامتلاك داخل أوصاره، امرأة تحرك شهوة الانتصار، فريسة صعبة، فريسة بعيدة المنال، فريسة يتباهى بها أمام مرآته أنها اختارته، أو أحبته، أو أنه بالنهاية يتحكم بكل خيوط حياتها و.....يذلّــها!
ضحايا النرجسيون عادة أناس مميزون، فوق المتوسطين بأكثر من درجة، ليس رجلا عاديا وليست امرأة عادية، يختارون شركاء يحسدون أنفسهم عليهم! تخيل!
سيختار امرأة رائعة الجمال، رائعة الفكر، ذكية، حنونة، قوية، مبدعة، مستقلة، حرة، مؤثرة، فنانة، تسير عكس التيار، وتطير في مساحات شاسعة من الإبداع والحرية، لها جمهور عريض من الأهل والأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء، وربما لها جمهور أوسع من متابعي السوشيال ميديا....
سيختار امرأة صعبة، يعرف أنه لن يدركها من أول مرة، ولا من ثان مرة، وربما .. ولا من عاشر .. ولكنه سيفعل كل شيء حتى يحصل عليها، سيبهرها، سيغزل حولها خيوطه كالعنكبوت، سيدرسها أفضل مما درس مقرر المدرسة أو الجامعة، سيعرف عنها كل صغيرة وكبيرة ممكنة، ويتقرب إلى دوائرها، ثم إليها، سيطرق بابها، سيحاول ويحاول ويحاول، لن يمل، لن يتراجع، سوف تطرده من عند الباب، سوف تغلق كل فتحة أمام نفوذه، سوف يحاول كل شيء من أجل أن يدخل عالمها، عالمها المبهر الجميل الحقيقي البراق الثري المليء بالكنوز والذهب والياقوت والمرجان، المليء بكل شيء يفتقده، لأجل أن يهدمه .. أحيانًا على رأسها!
سيتقرب منك مثل الماء المتسرب، بلا صوت، بلا طعم، بلا رائحة، الثعبان يصدر فحيحًا ينذرك، لكن النرجسي إن أصدر صوتًا سيكون موسيقاك المفضلة، وإن تكلم ستكون قصيدة شعر أبهرتك، وإن رأيت له لونًا سيكون لون بهجتك، وإن كانت الرائحة تتشكل سترينه أمامك، سيقول لك بصوت عميق وديع وطيب أنك يا حبيبتي تستحقين كل جميل بالحياة!
ولأن التوقيت هام جدا، سوف يختار اللحظة التي تشعرين فيها أنه لا شيء يعمل لصالحك، أو أن الحياة تعاندك بشكل ما!
سيقول لك ما تؤمنين به، ولكنه ذكي جدا، سيضيف عليه نكهة أخرى وكأنه هو الذي يرى هذا، ومع الوقت، سترسخ لديك حقيقة زائفة، أنه هو الذي منحك هذا، وأنك بدونه لا تستحقين!
سيتمكن من حياتك بهدوء الافعى، وسيلتف حولك، حول أصدقاءك، حول أهلك، لا أحد يحبك مثله، لا أحد يفهمك مثله، لا أحد يمنحك ما تستحقين مثله، مبروك، أنت الآن له وحده، ملكه وحده
** يتركك النرجسي محطمة، مثل رفات بارد، يتأكد من موتك قبل رحيله، ولأنه زائف جدا، لن يدرك أن حقيقتك ستسطع مرة أخرى من تحت الرماد، لذا، من الأفضل أن يقتلك.. (يتبع)
السبت، 22 فبراير 2025
السيكوباتي المتدين وبشدة
لا أعرف لماذا يظل مجتمعنا العربي بهذا الغباء والسطحية تجاه الأشخاص السيئين والمؤذيين بشدة؟ لماذا لا يصدق الناس أن للأشخاص الأكثر شرًا أكثر الوجوه براءة على الإطلاق؟
تقول المرأة: يضربني، يوبخني، يكسرني، يهينني، يقلل من شأني وكرامتي، ويرد المجتمع: أنه ناجح في عمله، أنه متدين بطبعه، أنه صديق وودود مع الناس! أنت امرأة مفترية!
كيف يكون الشرير ودودا جدا؟ دعني أخبرك!
في البداية يجب أن نتفق على جدلية محتدمة منذ الأزل، أن للإنسان وجوه عديدة، مثلما للعدالة وجوه أخرى!
كنت أقرأ عن قصة مجرم حرم، احتل بلادي منذ عقود، نكل بأهلها، ونكل بأهلنا في فلسطين وعدة بقاع أخرى، وكان مما يوصف به عشقه للخيل، لا أنسى هذه القصة أبدًا، كيف كان يعتني بالخيل عناية خاصة، يدللها ويعطف عليها، كيف كان زوجًا رائعا وأبًا حنونًا، لكنه كان يذيق أهلنا الويلات، وينكل بهم، يفعل بهم ما يفعله وحش عديم الرحمة، كيف يتقلب هذا الرجل بين ذراعي امرأة شديدة اللطف، ويحمل على ظهره طفل بهذه البراءة؟ ثم يقتل أبنائنا بدم بارد؟
عرفت رجلا، كان يوبخ امرأته بشدة، كان يسبها بأقذع السباب، كان متدينًا جدًا، كنت تسمع تلاوته ويكأنه الشيخ الحصري، أو محمد رفعت، يقوم الليل، ويصوم النهار، ويتسم بوجه الجميع، وأمام الناس يغازل امرأته بكلمات شاعر محنك، لكنه يضربها، يهينها، يخرج "ميتين أهلها" أشباحًا في ظلام لياليها الخامسة معه، في البداية لم يكن أحد ليصدقها، لإنه ببساطة يمنعها عن التواصل مع اي شخص حتى تطيب جروحها، كانت امرأة عفيفة ومهذبة، متربية وبنت أصول، لا تسمع لها صوتها سوى نحيب مكتوم، ثم في يوم وبعد أن أجهضت، واتتها شجاعة لا مثيل لها، استطاعت الهرب، استطاعت أن تنفذ بجلدها من محبسها، لم يساعدها الجيران، لم يتصل أحد بالشرطة، لم يجرؤ أحد أن يوقف هذا الوحش الخلوق المتدين بشدة، لكن أخاها استمع لها وأنقذ حياتها. هل توقفت المأساة؟ لا، بدأت مع امرأة ثانية هربت وطلقت، وامرأة ثالثة هربت ولم يصدقها أهلها أو أرادوا التخلص منها فأعادوا إليه، لكنها في ذات مرة ناطحته كلمة بكلمة وضربة بضربة، فخفف ضربه لها إلى أن مات!
عرفت رجلا آخر، كان متدينا جدا، كانوا يقولون الشيخ راح الشيخ رجع، زوجته إياها أمها لأنها توسمت فيه خيرًا، فماذا فعل؟ كان يلهث ورائها حتى تزوجها، كان أمامنا وقورًا وكانت طائشة، كان حنونًا وكانت متمردة، كان عاقلًا وكانت طفلة، حتى استغل جسمها ونفسها في أعمال السحر والشعوذة! رجل محترم متدين يسلم امرأته لجمع من الرجال يتحضرون عليها أعمالهم القذرة!
كان بلسما، كان لا يشبه أحد من الرجال، ودودًا ولطيفًا جدا، يستمع إليك لآخر الدنيا وما بعدها، يقطع مسافات مرعبة من أجل رضاك، خلوق، نظيف، يهتم بصحته وصحتك، يهتم بمظهره ومظهرك، يجعل من نفسه خادمًا لك إن أردت، ثم؟ ما إن سقطت في حبه ووقعت في شباكه، أراك وجهه الأزرق، وكشف عن أنيابه العفنة التي تسرق جمالك وبهائك وسعادتك وقدرتك على الحب والابتسام! يعايرك بأشياء ليست من شأنه، بأخطاء من فعل الله وليست من فعل إن اعتبرنا أن الله يخطيء! فلماذا خلقك الله هكذا؟ لا يصيغها بذات الصياغة، ولكنه يعيرك بأنك مثلا عطوفة جدا، بأنك محبة زيادة عن اللزوم، بأنك قصيرة أو طويلة، بأنك نحيلة أو متينة، بأنك بيضاء أو خمرية أو شقراء، أو صغيرة في السن "حمقاء هو أعقل منك" أو كبيرة في السن "عجوز تصدق عليه بمحبته"، أو غنية "غير مرغوبة لذاتك" أو فقيرة "انتشلك من الوحل" أو أو أو أو
سوف يهدمك، سوف يجعلك قمر تابع لكوكبه، ثم يحقر منك ويحقر منك ويحقر منك، حتى تصدقيه!
سيجعلك تتيهين في عالمه، سوف يكون كل عالمك، سوف يحمق كل عالمك، سوف يعزلك عن كل نجاح، سوف يتفاخر بنجاحك أمام الجميع، سوف يهينك، ثم يغرقك في العسل، سوف يغتالك، ثم يقول لك "أنا أعبدك" سوف يشجعك لنجاح زائف يدور في فلكه، وسوف يحجبك عن كل نجاح يضمن استقلالك، لكن يكون لك قدم تقفين عليها لإنك بالكلية مستندة عليه، سوف يجعل زيفه حقيقتك المتيقنة، ويجعل حقيقتك سرابًا كدخان عابر....أنت بلا أية قيمة بدونه، لا أحد سيحبك إن لم يحبك هو، لا أحد سيحبك مثله!
كل البشر حولكم سيرون الصور، الضحكات الواضحة، الرومانسية الصارخة، القبلات التي تظهر على المشاع، الأحضان التي لا يتوانى أن يمطرك بها، كلمات رائعة على السوشيال ميديا، مديح لك أمام أهلك، لن يصدقك أحد!
هذا المجتمع الغبي، الذي رأى السيف يقطر دما في يد جلاد يلبس عباءة الصلاة، فصدقوا العباءة وكلمات الجلاد وكذبوا السيف والدم الحي القاطر، لن يصدقك، يا ناقصة العقل، والخبرة، والحكمة والدين!
ولكن؟ ماذا يقول الدين؟ ربما أقول لك ماذا يقول الدين المرة القادمة!
الأحد، 9 فبراير 2025
أسيرة لسحر البشر!
أسير في تلك الشوارع الترابية الطيبة، وأجد على جدران البيوت منحوتات جميلة، جميلة جدا، أقول: كيف تنعكس روح الإنسان في كل ما يفعل، البهجة تسطع، والحزن ينخر، حتى لو بقي لألف عام!
في كل مرة أسير في متحف مغلق أو مفتوح، أتحسس المنحوتات، وألمس الألوان بيدي، أنبهر! أقف مشدوهة بالإتقان والدقة والصبر، الصبر الكبير الذي لا أملك منه شيء!
منذ حوالي الشهرين، ذهبت لجولة تراثية تعليمية عن الخزف، سمعت فيها القصص، رأيت فيها الفن والخطأ، رأيت الجمال، وفهمت، كيف يقضي المرء يومًا كاملا لصنع كوب واحد، وكيف ينظر أمام الفرن لساعات حتى يحترق الطين، ثم لساعات أخرى حتى يحترق اللون ويزهو.
جميل هو الإنسان! كيف أخذ جمال الكون وصاغه بكل تفاصيل الدنيا؟ بالمنمنمات على الحيطان، بالتفاصيل في رسم الجدران، بالتشابك الحميمي الدافء في المشربيات، وبتلك النغمات في اختيار الألوان!
كيف جعل لكل آية وجهة، ولكل كلمة معنى، ولكل عمل نية مخلصة باقية!
جميل، كيف يكتشف جمال الكون، فيبرزه بكل تفاصيل الحياة، بالكلمات، بالموسيقى، بالرسم، بالنحت، بالتصوير، وربما بالتدوين!
أحب الرفاهية! وأتمنى أن يحظى كل البشر بقدر من الرفاهية، لإنهم يبدعون في الرفاهية إبداعهم في الحرب والكوارث والحاجة الملحة!
الحاجة أم الاختراع، والرفاهية أبوه!
أذكر عندما كنا نشاهد مسلسل عن سليمان القانوني الحاكم العثماني، وكيف أنه برع في صنع المجوهرات، لا أعرف إن كانت تلك الفصيلة الشخصية عنه صحيحه، ولكني أعرف أنها صحيحة في العموم فيما يخص بعض الحكام العثمانيين والعرب الأندلسيين، لقد برعوا في صنع قطع ثمينة وراقية من المجوهرات، الرفاهية تسمح للفن أن يرتقي.
منذ أيام قابلت صديق، تذكر عندما أخذته أول ما قدم إلى أبوظبي إلى متحف اللوفر، وقفت أمام أكثر من لوحة، وأريته بعض قطع الخزف وقتها، قال لي عندما التقينا وتذكر المشهد: "أطباق يا سارة! كلها أطباق"
ضحكت، وقلت له: لو أنني أعرف أن هذا ما كنت تراه، ما كنت لاخذك هناك أبدًا!
تكلمنا قليلا عن الخزف، قلت له أنني وبشكل عام أقدر صنع البشر فوق الآلة، أقدر جمال مصنوعات أخذت من روح صاحبها، أقدر كيف ينحني المرء فوق قطعة قماش يخيطها ويرسم تطريزها بحب وشغف، أن يكون حريصًا وهو يرسم الخزف، أن يغزل الخيوط المتشابكة سجاد منمق ومتناسق الألوان والخيوط.
منذ سنوات، عندما كنت أرى قطعة سجاد ثمنها آلاف الجنيهات كنت أتعجب، أقول لنفسي كله يفرش على الأرض، كانت كلمة أمي المميزة دائما، "لكن ده إيراني يا سارة، حرير ويدوي" اه .. يمكن غالي لإنه حرير؟ بس ايه يعني حرير ويدوي؟
سنوات بعدها، شاهدت مراحل صنع السجاد في إحدى القرى المصرية، كدت أجن! ما هذه التفاصيل؟ ما هذا الجمال؟ نعم، يستحق، هذا الجهد يستحق آلاف الجنيهات!
اشتريت كوبًا، أغلى من ثمن مثيله بخمسة أضعاف على الأقل، لكني كنت سعيدة به جدا، وآخر أغلى من مثيله بعشرة أضعاف! لماذا؟ رغم وجود عيب دقيق فيه؟ لإنه ببساطة جهد إنسان! إنسان يتأمل ويرسم ويبدع وينتظر ويحصد ثم يهديني أنا الشخص الجاهل تماما بدقة الخطوط على الكوب حصيلة شقاه في صورة جمال وسحر أستمتع به كل صباح مع القهوة والحليب أو مع الشاي!
أسير بداخل المتاحف، أتأملها بعشق، يسخر مني بعض أصدقائي، إنها تسير كما السياح! لا بأس! أسيرة مشدوهة ومأخوذة بعبقرية الإنسان، بجمال قلبه، بروحه التي خلّدها في الرسم أو النحت أو الصناعة..... أسير وأنا أسيرة لسحر البشر!
الأحد، 2 فبراير 2025
أميرة قوية مستقلة! أو ... زهرة صبار
اليوم، تفقدتها، وجدت أننا رغم رفقتنا الطويلة جدًا إلا أنني لم أكتب لها حرفًا واحدًا من قبل!
يا عيب الشوم!
رفيقتي اليوم هي امرأة استثنائية، ورغم أنها تنعت نفسها دومًا بامرأة لأنها تخطت الثلاثين، إلا أنني لا أراها إلا طفلة جميلة ضاحكة!
هي امرأة بوجوه عدة، وشخصيات متشابكة، لا تدري أيهما هي، ولا تملك بعد أن تعرفها جيدًا إلا الرضوخ لصدقهم جميعًا. إذا رافقتها في حديقة ألعاب، ستعرف لماذا أراها طفلة، وإذا رأيتها في العمل ستفهم لماذا تنعت نفسها بـ "امرأة حرة مستقلة .. وقوية.. قوية جدًا لدرجة الشراسة"
هل رأيت من قبل زهرة الصبار؟ هي مثلها تماما، يحيطها الشوك، مهيبة، لكن الزهرة ناعمة جدا ورقيقة، وردية اللون، تتفتح بيسر وليونة، لا تفهم كيف تخرج تلك البراءة من قبة الشوك الصلدة. لكنها ... مثل زهرة الصبار!
زهرة الصبار عزيزة، يظنها البعض أنها عنيدة ومرّة، لكن على العكس تمامًا، هي فقط لا تخرج بكل وقت، ولا تزعج برائحة فواحة، ولا تتباهى بغصن قوي يسقط بتلاتها بعد حين، لكنها تنمو مرة واحدة بالسنة، بالربيع فقط، ولا تفتح بتلاتها لكل زارع، لكن لكل عناية تظهر الحب والمودة، تخرج مرتبطة بالصبار بغصن كالحبل السري، يخرجان معًا، وينتظران معًا بنهاية المهمة!
رفيقتي .... لها ضحكة رنانة، إذا سمعتها لا تظن أنها قد رأت دمعًا قط، بسمتها عريضة وساحرة، يقولون لها هذه صورة رسمية، لا يجب أن تضحكي، ابتسمي دون ظهور الأسنان، فتخرج الصورة عابسة! ليس عندها منطقة وسطى، هي تضحك أو لا تضحك على الإطلاق.
حنونة، وكريمة، تملأ الدنيا بهجة، تحمل الحب في سلال مثل الأمل والبرتقال، توزع من قلبها ويفيض قلبها بالحب كلما أعطت، تجعل قلوب من حولها مليئة، لكنها قليلة حظ! أحيانًا يبخلون عليها بالحب، أحيانًا يسلمون بأنها تعرف قدرها عندهم، فلا يلقون حبال الود إلا عندما تشهق بالغرق! بخلاء، لكنها تعذرهم دومًا.
صادقة، أقول لها: بالله انضجي، كوني ولو لمرة كامرأة، امسكي الكلمات، او تحكمي في تعبيرات وجهك، لا يسعها!
حقيقية كالموت، وممتعة كالحياة! تكره الزيف، وتختنق إن أمسكت بتصرفات الكبار التي تحمل شيئًا من نفاق!
تشعر أنها خارج جلدها، يختنق العالم عليها، يطبق الجبل فوق قلبها، لا تطيق!
تذوب في الأشياء بعين فنانة، وأحيانًا تدير ظهرها للعالم بلا مبالاة.
هي أشياء كثيرة، وأشخاص كثيرة، يصعب أن أصفها بكلمة، ويصعب أن اضعها في خانة!
تحب السماء، وتكره الأماكن الضيقة، تعشق البراح، وترتاح في ركن دافيء في بيتها، تحب دائرتها الصغيرة، تستمتع بالطبخ لمن أحبت، تدعوهم لبيتها، تضايفهم كأنها خادمة مطيعة، وتستقبلهم كسيدة القصر، يسعدون، يأنسون، يتسامرون، يشبعون، الحب والدفء يشبعهم قبل الأكل، وفي النهاية تراقبهم بصمت عميق، وبسمة محبة على وجهها، ورغم سعادتها وأنسها بهم، إلا أنها تتنفس الصعداء بساعات خلوتها بنفسها.
تحب الزرع، بشكل مجنون، وتحب الحيوانات، وترتاح بأعمال البستنة، ولا تستسلم أبدًا إن ماتت إحدى زرعاتها، تقول أنهن مؤنسات حياتها.
تقف لساعات أمام عمل فني، ترتاح لكل تفاصيله، تدقق، تبتسم، يترقرق الدمع بعينيها، تتذكر أنها امرأة قوية، لا يجب أن يظهر دمعها أمام لوحة، تشد ظهرها وتمشي في ثبات، ثم تقف ثانية أمام أخرى وتبتسم كالبلهاء.
قوية هي، عندما أدارت الحياة ظهرها لها، أدارت هي أيضا ظهرها للحياة، من يعرف كيف عانت وخرجت زهرة الصبار؟
تركتها الحياة وحدها، فهاجرت، وتركت الحياة وحدها!
عنيدة! رأسها كالصخر، تقف قوية بوجه الريح، لكنها تدخل بنهاية اليوم غرفتها وتبكي، تبكي بشدة، تبكي بحرقة كالأطفال، ثم تنهض بالصبح، وتشد ظهرها، وتخرج للعالم القميء الزائف، وتملؤه بألوان محبتها وبهجتها!
رقيقة، وروحها بريئة بشكل مقلق، تجذب الأطفال والحيوانات، وتطير حولها الفراشات، تعطي بلا مقابل، وتأخذ بخجل شديد، تقول أنها كبيرة كفاية، لا يجب أن تفتح يديها وهي لا تحتاج! لكم عانيت معها حتى تقبل الهدايا والمنح، رغم أنها تعطي بسبب وبدون سبب!
تلك الفتاة، شارفت الموت يومًا، انتهت حياتها، لكنها عادت، بشهقة شقت صدرها!
إن كتبت عنها لن أنتهي، ولكني هنا لأقول لها شيئًا مهما جدا، أنـــــا أُحــــبك جدا، وفخورة بك فوق كل تصوراتك!
فخورة بأنك أنت، وبأنك هنا، أحبك كثيرًا، وأسعد بوجودك دائما، وأتمنى لو كان هناك نسخة منك لكلينا! أحبك جدا، وأحب رفقتك، وأحب ضحكاتك الساخرة، وتعليقاتك الهزلية، أحب تلك المواقف الخرقاء التي تنتهي بسخريته من نفسك، أحبك عندما أخبرت الشاب الذي يعجبك أنه لوّح لك بالخطأ ليقول لك أنه يقصدك! أحب أنك لا تعرفين حقًا كيف يراك الناس رائعة ومبهرة وجميلة وغالية! وفي كل مرة تندبين حظك، أعجب من كليكما أنت وحظك، كيف لا يمكنك رؤية كل هذا الجمال الذي يخرج من قلبك الصغير؟ كيف لا تذكرين إلا أخطاؤك الحمقاء التي لا تعد حقا ذنبا لا يغتفر، وكيف تكونين بهذه القسوة على نفسك؟ وكيف يكون العالم بهذه الغباوة أمام عينيك!
عينيك!
هل قلت لك أن عينيك جميلتين حقًا؟ أذكر أن صديقة لنا قالت لك هذا عدة مرات، وأذكر أن شخصا آخر ذكر ذلك ذات مرة لكني لا أذكر من، عينيك جميلتين، معبرتين، واسعتين بسعة الدنيا، ويخرج منهما نور يملأ من يتمعن فيهما!
كيف لعاشق صادق أن يخطيء عينيك؟
أحبك جدًا، وأراك أجمل مما تصدقين، لإنك غبية، لا تمنحين نفسك الفرصة للنظر من بعيد، في عالم الزيف هذا، كم إنسان صادق مثلك؟ حقا؟ لا أحد!
تندبين حظك في كل ليلة، أعرف، لكني أعرف أيضًا أنك مثل اللؤلؤ الأسود، على الغواص أن يكون قويًا جدًا، صبورًا جدًا، عنيدًا جدًا، ومجتهدًا جدا ليحصل عليه!
أنت غنيمة، لماذا تظنين أن كل عابر قد يعرف قدرك؟ أنت غنيمة، على من يريدها أن يخوض كل تلك الحروب التي جعلتك كنزًا ثريًا!
يا بخته ويا حظه اللي ينول رضاكي!
لإنك تمنحين لكل ما تلمسين قبلة الحياة، فيصير الكون بعدك مختلف عن ذي قبل!
وأنا لن ادعك تمنحين الكنز لمن هب ودب "لحتى ما يعتب ... يتعب كتير"
أحبك، بعدد كل الذين خذلوك، بعدد كل مرة أنا أيضًا خذلتك، وأغمضت عيني ولم أكن رفيقة جيدة لك
في كل ليلة، أتمنى لو اني أضمك بقوة، بحب، بحنان، لأقول لك أنك جميلة، محبوبة، ثرية، وأني فخورة بك جدا جدا