الأحد، 30 نوفمبر 2025

تلك التوكيدات الصغيرة

 أعتقد أننا كبرنا على معتقد غير حقيقي عن الحب .. هذا البطل الذي "يسوي الهوايل" ويخترق السحاب من أجل الحبيبة.

أو تلك الحبيبة التي تبكي ليلها لتتحول دمعاتها إلى نور يشفي جراح الفارس وحصانه الأبيض.

تلك الأفعال الكبيرة جدا التي تحتل المشهد في تراتب غير منطقي للأحداث، لكن الجميع غفل أن يخبرنا عن هذا الحب الرتيب الممل اللطيف المهذب الذي يتخلل جلودنا دون أن نشعر!

لم يخبرني أحد أن سؤال "هل أنت بخير" الذي يبدو في بعض الأيام في غاية الملل، هو كل ما كنت أحتاجه في أيام أخرى!

أن تلك البسمة اللطيفة وكلمة "أعرف أنك ستتجاوزين الأمر، لا تقلقي" الرتيبة كانت حقًا ما حمل اليوم على المرور.

أن تلك اللمسة الهادئة على كتفي، ذراعي، أو رأسي كانت مثل حضن كبير في يوم مزدحم باللامعقول.

أن تلك النظرات المتوترة التي تطمئن علي كل حين وآخر، كانت تأكيدات صغيرة وبسيطة، أنني بخير، بأمان، ومحمية، حتى وإن عشت لسنوات أعتقد بل أؤمن أنني لا أحتاج الحماية.

لم يخبرني أحد، أن الحب، شعور هاديء ودافي، يتسلل تحت جلدك، تشتعل نار غيرته بهدوء، لتغذيه أكثر ولتدفئ كلينا برفق.

وبالطبع، كالزواج الأرثوذكسي، لا طلاق فيه، فلم يخبرني أحد أنني في الحب حرة، وأن كل هذا اللطف لا يصبح طوقًا حول رقبتي، وأن كل تلك المحبة التي تشع في العيون لا تزيدني إلا حرية، وأن هذا الحنان الذي يكتنف صوتك لا يمنحني سوى شجاعة السير بدونك كما منحني رغبة السير معك، وأن الحب يطلق جناحيك لحرية القدر لا يقيدها أبدَا بسوء الطالع.

كنت أظن، أن الخوف من فقدي هو صورة واحدة تملكية، طالما كانت تخنق أنفاسي ولم أفهم كيف يحدث اختناق بالحب.

لم يخبرني أحد أن الخوف من فقدي يمنحني مساحة أوسع، ويحترم حدودي بشكل أطيب، وينتظرني، بهدوء ينتظرني، وبصبر ينتظرني، وبجمال ينتظرني، وبحنان ينتظرني .... أن الحب حقًا يتمثل في كلام درويش عندما صرخ بكل قلبه ... "انتظرها"

أعتقد، أننا لم نحترم التوكيدات الصغيرة كما يجب، ولم ننتظرها كما يجب، ولم نمنحها هذا الانتظار الطيب اللطيف ...

ولم ينتظرني "من قبل" أحد ... 

ولا تتعجل،فإن أقبلت بعد موعدها فانتظرها

وان أقبلت قبل موعدها فانتظرها

وان أقبلت عند موعدها فانتظرها

ولا تُجفِل الطير فوق جدائلها وانتظرها

لتجلس مرتاحة كالحديقة في أوج زينتها.... وانتظرها

لكي تتنفس هذا الهواء الغريب على قلبها.... وانتظرها      "محمود درويش"

وإن الانتظار المتيقن الممل، أجمل وأهدأ من ذاك الجنون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق