لا أعرف لماذا يظل مجتمعنا العربي بهذا الغباء والسطحية تجاه الأشخاص السيئين والمؤذيين بشدة؟ لماذا لا يصدق الناس أن للأشخاص الأكثر شرًا أكثر الوجوه براءة على الإطلاق؟
تقول المرأة: يضربني، يوبخني، يكسرني، يهينني، يقلل من شأني وكرامتي، ويرد المجتمع: أنه ناجح في عمله، أنه متدين بطبعه، أنه صديق وودود مع الناس! أنت امرأة مفترية!
كيف يكون الشرير ودودا جدا؟ دعني أخبرك!
في البداية يجب أن نتفق على جدلية محتدمة منذ الأزل، أن للإنسان وجوه عديدة، مثلما للعدالة وجوه أخرى!
كنت أقرأ عن قصة مجرم حرم، احتل بلادي منذ عقود، نكل بأهلها، ونكل بأهلنا في فلسطين وعدة بقاع أخرى، وكان مما يوصف به عشقه للخيل، لا أنسى هذه القصة أبدًا، كيف كان يعتني بالخيل عناية خاصة، يدللها ويعطف عليها، كيف كان زوجًا رائعا وأبًا حنونًا، لكنه كان يذيق أهلنا الويلات، وينكل بهم، يفعل بهم ما يفعله وحش عديم الرحمة، كيف يتقلب هذا الرجل بين ذراعي امرأة شديدة اللطف، ويحمل على ظهره طفل بهذه البراءة؟ ثم يقتل أبنائنا بدم بارد؟
عرفت رجلا، كان يوبخ امرأته بشدة، كان يسبها بأقذع السباب، كان متدينًا جدًا، كنت تسمع تلاوته ويكأنه الشيخ الحصري، أو محمد رفعت، يقوم الليل، ويصوم النهار، ويتسم بوجه الجميع، وأمام الناس يغازل امرأته بكلمات شاعر محنك، لكنه يضربها، يهينها، يخرج "ميتين أهلها" أشباحًا في ظلام لياليها الخامسة معه، في البداية لم يكن أحد ليصدقها، لإنه ببساطة يمنعها عن التواصل مع اي شخص حتى تطيب جروحها، كانت امرأة عفيفة ومهذبة، متربية وبنت أصول، لا تسمع لها صوتها سوى نحيب مكتوم، ثم في يوم وبعد أن أجهضت، واتتها شجاعة لا مثيل لها، استطاعت الهرب، استطاعت أن تنفذ بجلدها من محبسها، لم يساعدها الجيران، لم يتصل أحد بالشرطة، لم يجرؤ أحد أن يوقف هذا الوحش الخلوق المتدين بشدة، لكن أخاها استمع لها وأنقذ حياتها. هل توقفت المأساة؟ لا، بدأت مع امرأة ثانية هربت وطلقت، وامرأة ثالثة هربت ولم يصدقها أهلها أو أرادوا التخلص منها فأعادوا إليه، لكنها في ذات مرة ناطحته كلمة بكلمة وضربة بضربة، فخفف ضربه لها إلى أن مات!
عرفت رجلا آخر، كان متدينا جدا، كانوا يقولون الشيخ راح الشيخ رجع، زوجته إياها أمها لأنها توسمت فيه خيرًا، فماذا فعل؟ كان يلهث ورائها حتى تزوجها، كان أمامنا وقورًا وكانت طائشة، كان حنونًا وكانت متمردة، كان عاقلًا وكانت طفلة، حتى استغل جسمها ونفسها في أعمال السحر والشعوذة! رجل محترم متدين يسلم امرأته لجمع من الرجال يتحضرون عليها أعمالهم القذرة!
كان بلسما، كان لا يشبه أحد من الرجال، ودودًا ولطيفًا جدا، يستمع إليك لآخر الدنيا وما بعدها، يقطع مسافات مرعبة من أجل رضاك، خلوق، نظيف، يهتم بصحته وصحتك، يهتم بمظهره ومظهرك، يجعل من نفسه خادمًا لك إن أردت، ثم؟ ما إن سقطت في حبه ووقعت في شباكه، أراك وجهه الأزرق، وكشف عن أنيابه العفنة التي تسرق جمالك وبهائك وسعادتك وقدرتك على الحب والابتسام! يعايرك بأشياء ليست من شأنه، بأخطاء من فعل الله وليست من فعل إن اعتبرنا أن الله يخطيء! فلماذا خلقك الله هكذا؟ لا يصيغها بذات الصياغة، ولكنه يعيرك بأنك مثلا عطوفة جدا، بأنك محبة زيادة عن اللزوم، بأنك قصيرة أو طويلة، بأنك نحيلة أو متينة، بأنك بيضاء أو خمرية أو شقراء، أو صغيرة في السن "حمقاء هو أعقل منك" أو كبيرة في السن "عجوز تصدق عليه بمحبته"، أو غنية "غير مرغوبة لذاتك" أو فقيرة "انتشلك من الوحل" أو أو أو أو
سوف يهدمك، سوف يجعلك قمر تابع لكوكبه، ثم يحقر منك ويحقر منك ويحقر منك، حتى تصدقيه!
سيجعلك تتيهين في عالمه، سوف يكون كل عالمك، سوف يحمق كل عالمك، سوف يعزلك عن كل نجاح، سوف يتفاخر بنجاحك أمام الجميع، سوف يهينك، ثم يغرقك في العسل، سوف يغتالك، ثم يقول لك "أنا أعبدك" سوف يشجعك لنجاح زائف يدور في فلكه، وسوف يحجبك عن كل نجاح يضمن استقلالك، لكن يكون لك قدم تقفين عليها لإنك بالكلية مستندة عليه، سوف يجعل زيفه حقيقتك المتيقنة، ويجعل حقيقتك سرابًا كدخان عابر....أنت بلا أية قيمة بدونه، لا أحد سيحبك إن لم يحبك هو، لا أحد سيحبك مثله!
كل البشر حولكم سيرون الصور، الضحكات الواضحة، الرومانسية الصارخة، القبلات التي تظهر على المشاع، الأحضان التي لا يتوانى أن يمطرك بها، كلمات رائعة على السوشيال ميديا، مديح لك أمام أهلك، لن يصدقك أحد!
هذا المجتمع الغبي، الذي رأى السيف يقطر دما في يد جلاد يلبس عباءة الصلاة، فصدقوا العباءة وكلمات الجلاد وكذبوا السيف والدم الحي القاطر، لن يصدقك، يا ناقصة العقل، والخبرة، والحكمة والدين!
ولكن؟ ماذا يقول الدين؟ ربما أقول لك ماذا يقول الدين المرة القادمة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق