الأحد، 9 فبراير 2025

أسيرة لسحر البشر!

 أسير في تلك الشوارع الترابية الطيبة، وأجد على جدران البيوت منحوتات جميلة، جميلة جدا، أقول: كيف تنعكس روح الإنسان في كل ما يفعل، البهجة تسطع، والحزن ينخر، حتى لو بقي لألف عام!

في كل مرة أسير في متحف مغلق أو مفتوح، أتحسس المنحوتات، وألمس الألوان بيدي، أنبهر! أقف مشدوهة بالإتقان والدقة والصبر، الصبر الكبير الذي لا أملك منه شيء!

منذ حوالي الشهرين، ذهبت لجولة تراثية تعليمية عن الخزف، سمعت فيها القصص، رأيت فيها الفن والخطأ، رأيت الجمال، وفهمت، كيف يقضي المرء يومًا كاملا لصنع كوب واحد، وكيف ينظر أمام الفرن لساعات حتى يحترق الطين، ثم لساعات أخرى حتى يحترق اللون ويزهو.

جميل هو الإنسان! كيف أخذ جمال الكون وصاغه بكل تفاصيل الدنيا؟ بالمنمنمات على الحيطان، بالتفاصيل في رسم الجدران، بالتشابك الحميمي الدافء في المشربيات، وبتلك النغمات في اختيار الألوان!

كيف جعل لكل آية وجهة، ولكل كلمة معنى، ولكل عمل نية مخلصة باقية!

جميل، كيف يكتشف جمال الكون، فيبرزه بكل تفاصيل الحياة، بالكلمات، بالموسيقى، بالرسم، بالنحت، بالتصوير، وربما بالتدوين!

أحب الرفاهية! وأتمنى أن يحظى كل البشر بقدر من الرفاهية، لإنهم يبدعون في الرفاهية إبداعهم في الحرب والكوارث والحاجة الملحة!

الحاجة أم الاختراع، والرفاهية أبوه! 

أذكر عندما كنا نشاهد مسلسل عن سليمان القانوني الحاكم العثماني، وكيف أنه برع في صنع المجوهرات، لا أعرف إن كانت تلك الفصيلة الشخصية عنه صحيحه، ولكني أعرف أنها صحيحة في العموم فيما يخص بعض الحكام العثمانيين والعرب الأندلسيين، لقد برعوا في صنع قطع ثمينة وراقية من المجوهرات، الرفاهية تسمح للفن أن يرتقي.

منذ أيام قابلت صديق، تذكر عندما أخذته أول ما قدم إلى أبوظبي إلى متحف اللوفر، وقفت أمام أكثر من لوحة، وأريته بعض قطع الخزف وقتها، قال لي عندما التقينا وتذكر المشهد: "أطباق يا سارة! كلها أطباق"

ضحكت، وقلت له: لو أنني أعرف أن هذا ما كنت تراه، ما كنت لاخذك هناك أبدًا! 

تكلمنا قليلا عن الخزف، قلت له أنني وبشكل عام أقدر صنع البشر فوق الآلة، أقدر جمال مصنوعات أخذت من روح صاحبها، أقدر كيف ينحني المرء فوق قطعة قماش يخيطها ويرسم تطريزها بحب وشغف، أن يكون حريصًا وهو يرسم الخزف، أن يغزل الخيوط المتشابكة  سجاد منمق ومتناسق الألوان والخيوط.

منذ سنوات، عندما كنت أرى قطعة سجاد ثمنها آلاف الجنيهات كنت أتعجب، أقول لنفسي كله يفرش على الأرض، كانت كلمة أمي المميزة دائما، "لكن ده إيراني يا سارة، حرير ويدوي" اه .. يمكن غالي لإنه حرير؟ بس ايه يعني حرير ويدوي؟

سنوات بعدها، شاهدت مراحل صنع السجاد في إحدى القرى المصرية، كدت أجن! ما هذه التفاصيل؟ ما هذا الجمال؟ نعم، يستحق، هذا الجهد يستحق آلاف الجنيهات!

اشتريت كوبًا، أغلى من ثمن مثيله بخمسة أضعاف على الأقل، لكني كنت سعيدة به جدا، وآخر أغلى من مثيله بعشرة أضعاف! لماذا؟ رغم وجود عيب دقيق فيه؟ لإنه ببساطة جهد إنسان! إنسان يتأمل ويرسم ويبدع وينتظر ويحصد ثم يهديني أنا الشخص الجاهل تماما بدقة الخطوط على الكوب حصيلة شقاه في صورة جمال وسحر أستمتع به كل صباح مع القهوة والحليب أو مع الشاي!

أسير بداخل المتاحف، أتأملها بعشق، يسخر مني بعض أصدقائي، إنها تسير كما السياح! لا بأس! أسيرة مشدوهة ومأخوذة بعبقرية الإنسان، بجمال قلبه، بروحه التي خلّدها في الرسم أو النحت أو الصناعة..... أسير وأنا أسيرة لسحر البشر! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق