الاثنين، 18 مايو 2015

من قال أنا لانموت ؟

من قال أنا لا نموت ونحن على قيد الحياة
نموت إذا انتحرت أحلامنا
وبلغ بنا اليأس آخر منتهاه
حت الشغف
صار يقتلها بأيد ناعمة
صار يسحقنا بغير أناة
نموت إذا كنا ضعاف البصائر بالهزيمة
نموت إذ أنشدنا أغاني الانكسار في مهد الطفولة
نموت ولا نبلغ من أي شيء أوله أو أعلاه
من قال أنا لا نموت إذا نعيش ونرزق ؟
أي رزق في الهزيمة ؟
أي رَحِــمٍ للقساة ؟

من قال أننا إذا ثارت دمانا لابد أن نربح
ألا نهزم
أي نصر يأتي إذا هرب الرماة ؟

من قال أنا لا نموت في الحياة إلا مرة ؟
من قال أنا لا نموت كل يوم ألف مرة ؟
من قال أن الويل حصرا من قاضي السماء ؟
من قال أنا لا نموت مرارة كل رفة جفنٍ من ظلم القضاة ؟

من قال أنا لا نموت ونحن هنا على قيد الحياة

هل قد رأيت بلادنا تنشد في حب الربيع وتنشر على الدنيا شذاه ؟

هل قد رأيت مدينتي يعلوها حمام الموت
تكسوها كل ألوان الحروب
تمطرها البلايا بلا هوادة
وتنظرنا النسور والصقور والحدائد الثكالي والأرامل
ويعلو نعيق غربانها بالموت المحتم والمقدر والرزايا
هل قد رأيت مدينتي؟
هل قد رأيت الدم يكسو كل أفواه الحياة ؟

أنا قد رأيت الموت يهرب
من هنا
من ذلك الدرب المعبد بالجماجم قد ركض
حتى من مدينتا الموت يهرب للنجاة !!!

من قال أنا لا نموت بكل صبح ألف ألف ؟

من قال أنا نرسم الأحلام على جدران تلك المدينة
إننا نرسم الموتى لا الحياة الرخيمة
إننا نرسم هنا الذكرى ... نرسم أنفسنا بجناحين منكسرين
نرسم قبورنا قبل أن نبغي المعيشة في القصور أو الخيام أو الكهوف أو كوخ معرش بحيَّـات تولول في انقضاء الليل طعم الجياف في أفواهنا ودمائنا الوسخة إثر تنفس الموت المعتق في الحواري والكؤوس وبيوت الإله !!

من قال أننا رغم كل الموت لا نحياة الحياة ؟

إننا نحياها ألف مرة
إننا نحياها بكل موت يقتل الإنسان فينا ألف كرة
إننا نحياها بكل شظية تسري في العروق للفراق ألف مرة
إننا نحياها حين تصيح غربان المنية مثل مآذن الصلوات
إننا نحياها
إذ يريد جلادنا أن يسلبنا الموت منا
إننا نحياها
في باطن الموت المعتق في حوارينا العتيقة
إننا نحياها
حتى ظن الموت أنا لا نخافه ... لا نهتم به ... إذ يحين ضيفا في المدينة
لم يعد الموت ضيفا
صار من أهل المكان ... صار من أهل العزاء والتعزي والسكينة
لم يعد يأتي بثوبه الأثوب مثل أثواب القضاة
لم يعد يمشي بين أطلال الحي في خيلاء كما فعل الطغاة
لم يعد يرتدي إذ يأتينا عمامته
صار يخلعها احتراما على باب المدينة
صار يمشي في سكينة
صار يكسوه الخشوع ألف مرة
صار يهمس في آذان الراحيل بكل رقة
صار يستأذن
صار يبكي مع الأم الحزينة
صار يحزن كلما مر من هنا
صار يبكي إذ رحل
صار يواسينا في مجالس التعازي والبكاء
صار يتلوا معنا آيات المودة والتراحم والتزاكي
صار يحضرنا بقلبه ويبتهل إذا ابتهلنا في الصلاة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق