الجمعة، 11 أبريل 2014

الــغــربـــال

في القرى المصرية منذ القديم وحتى اليوم في تلك النجوع البعيدة تقوم المرأة ( الفلاحة تحديدا ) بعد حصاد زوجها الحبوب واستعدادها لطحن الحبوب المخزنة لخبزها عيشا أو غيره من الأطعمة التي يقتاتون عليها طوال العام حتى موعد الحصاد القادم بغربلة تلك الحبوب .

الغربال هو ذاك الوعاء المسطح له حواف خشبية تمسكها السيدة وله فتحات واسعة نسبيا تقوم بوضع حبوب القمح أو الذرة بها وتغربلهم ... الحبة الخفيفة الفارغة تسقط كما يسقط القش والأترة وتلك الحصوات الصغيرة .

تستخدم بعدها غربالا آخر أدق لتسقط منه تلك الحبات التي لم تنضج وكانت صغيرة جدا أو مقسومة

وبعدها تبدأ عملية التنقية بالنظر ثم الغسيل والتجفيف والطحين ......... لتأكل بعدها ألذ مخبوزا قد تطعمه في حياتك :)


مقدمة طويلة ! ربما ... أعلم ذلك ... لكن النظر إلى تلك المرأة التي تجلس القرفصاء أحيانا في وضعية الاستعداد للقيام بين لحظة وأخرى أمر حقا ممتع .... هدوءها وصبرها وهي تغربل الحبوب ... وحينما تظن أنها انتهت وأن الحبوب أمام عينينك جاهزة تماما تفاجئك تلك المرأة المحنكة أن الأمر بدأ للتو !

ما حدث قبل 2011 في الخامس والعشرين من يناير لم يكن شيئا !

كنا فقط نجلس وراء الصفحات المطبوعة والإليكترونية نشاهد المقاطع المصورة عن التعذيب .... كنا نبكي ربما نصرخ بصوت مكتوم ... نخاف أهلنا أكثر من خوفنا السلطات .... نخاف أن نشارك حركة 6 إبريل أية وقفة .... نخاف التفوه بأسمائهم ... يطالعني أبي على مطبوع لحركة كفاية ذات يوم ويقول بابتهاج أن زميله كان مشاركا في وقفات كفاية ..... لكنه يخشى على نفسه وعلينا أن يفعل فليس له أخ قد يقف معنا إذا حدث له شيء .... كان بائسا كثيرا أن الوضع يتغير حتى أنه لم يعد يفكر في الأمر ..... لم يفكر أبي في النضال أو الثورة مادام الأمر لا يمسنا .... لكن على الأقل كان يمتلك بعض الشجاعة التي يقف بها أمامنا بعد أن أدركنا سواد الوضع المصري ليقول هذه الدولة ولا شك فاسدة .... الحكومة فاسدة .... ولكن من يملك القوة أو الشجاعة ليفعل .... آخرنا هنسقف في الدرا للي يقول !

في الخامس والعشرين من يناير .... كان الكيل قد طفح .... كان علينا أن نقول للسلطة أنتم فاسدون ونحن نعلم بالفساد أمامكم فرصة لإثبات العكس ..... كنا نظن أننا بذلك نغربل الأفراد في مصر ... كنا نظن أن الثورة بأيامها البضعة عشر  قادرة على غربلة الأشخاص ... جلسنا أسابيع نكرر سقطات المشاهير عن الثورة وعن مبارك ... جلسنا نظن أننا نغربل الشخصيات والمسلمات والمثل !

لكننا لم نكن نفعل ...... وضعنا الغربال جانبا لثلاث سنوات .... كنا نظن أننا في الحادي عشر من فبراير انتهينا ... لأن عودنا أخضر .... لأننا حقا نفتقد الحنكة .... لم نكن نفهم أننا للتو بدأنا !!!

( والدنيا تشيلني وتهبدني طاخ طوخ طيخ طخ )  وبدأت الأقنعة كل يوم تسقط ونحن نصرخ من فجعة الصدمات ... نهتز بشدة .... يتزلزل داخلنا ... حتى أن البعض فقد الله .... والبعض فقد المثل .... والبعض ألقى بقيم الثورة في أقرب صندوق للقمامة ... وجعلهم يقفون للدنيا بسيف الانتقام فقط .... وقد دخلنا من نفس الباب في التحرير لنقول .... الهدم .... للبناء ... الثورة .... للحرية وللعدالة .

المباديء لا تتجزأ ....

نحن حقا جزعون بشدة من تساقط الأقنعة .... الأمر أشبه بالطوفان .... حتى مغنوالثورة .... حتى الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي تربينا في السر على أغنياته مع الشيخ إمام .... كنا نستمع إلى تلك الأغنيات كأننا نستمع إلى أفلام إباحية محظور علينا المساس بها ... كنا نربي أنفسنا لأجل الثورة ... لأجل الحرية والخلاص من حاحا !!!!

هو ..... أشاد بالعسكر .... أشاد بهولاء الذين ينتهجون نفس نهج قائدهم الذي قال له بالحرف وغنى أغنيه ( أحا لا تتنحى )

ليطل علينا ملهم الثوار ..... الخال ..... يشيد بالظلم والاستبداد ... يمسح الجوخ

يا حضرة الظابط إنت كداب

والأبنودي لما عـ***ـك كداب

يا عم الأبنودي انت كداب
وجيلك كله كداب
مسح الجوخ ما عملتم غير
ولا استرجى منكم خير
انتم كلاب الحاكم
واحنا الطير
انتم بقايا وزارة الارشاد التوجيه
واحنا الثورة جاية سيل
بنفاقكم فتحتم بيوت
واحنا شباب مش لاقي القوت
وها نفضل احنا الصوت
لما تبيعوا القضية وتحبوا الدنيا سكوت

احنا شعبين
الاول عواجيز معرصين
والتاني شباب ميت او في الزنازين
وادي خط الدم ما بين الاتنين بيفوت
انتم بعتم الثورة بشهدائها وناسها
وفي ميدان التحرير فكيتوا لباسها
بانت وش وضهر
بطن وصدر
ريحة عفنكم كتمت انفاسها
واحنا ولاد الكلب الشعب
احنا بتوع الحرية وطريقها الصعب
ضربونا بالنار والغاز والكعب
وكأننا بنحارب حرب

لكن انتم راكبين الفلك
طبلتم للملك
ايديكم نعمت من كتر ما كتبت اغاني تقنعنا ان ليالينا مش حلك
غلبت اللي طبلوا للانجليز والترك
اشوف فيكم يوم يا صاحب الملك
انا المطحون مش انت يا كذاب اللي مسجون
تاريخي مركوب مش مركون
انت كتبت قصايد مدح فرعون
وانا كتبت على حيط الزنزانة بمسمار ما فتحش الكالون
قول في حسابك كام مليون

* الناشط : وائل عباس .



لماذا اليوم نشعر بغصة أنهم كلاب الحاكم ؟ لماذا نظن أن العيب في العود الأخضر ؟ القش حولكم لا خير فيه ولا نفع سيطير مع أول هبة ريح .... الفلاحة تظل تغربل الحبوب التي تظهر انها قوية لساعات طويلة ..... نحن الآن يا أعزائي في وسط الغربال

أتدرون لماذا ... ( ليميز الله الخبيث من الطيب ) ليظهر ويصمد ويبقى من يدافع عن الحرية ويسقط من يدافع عن مصلحته

ليبقى من يصمد بوجه الظلم .... ومن يصمد أمام الكاميرات وفقط !

ما عاد هناك مسلمات ..... الأمر أشبه بإعادة توجيه الأشياء 

لا شك في ذلك ! 

الله ليس موجود 

حقا الله ليس موجود 

إن لم تبحث عنه بذاتك

لا المسيح نزل بالسماحة والسلام

ولا محمد بعث بمكارم الأخلاق 

الدين لن يسقى لكم بالملعقة

ولا المثل والقيم العليا 

ولا المباديء ستتشبث بكم إن أفلتم منها

لا شيء سيبقى إن لم تحاربوا من أجله

كل شيء يبدأ من جديد ........... لا تضجروا ..... فقط نظفوا الجروح جيدا .... نظفوا الزنازين ..... نظفوا الساحات والميادين ... غربلوا الأفكار والأشخاص .... لا وقت لدينا للندم والنواح والبكاء .... اقتلوا التسليم بالأشياء في دواخلكم الكل مذنب والكل قبيح والكل شائه بصورة جنونية .

لا تقفوا كثيرا أمام الأمر 


سوف أظل لآخر عمري أغني أغنيات نجم والشيخ إمام وأتفل على القبور التي ضمت مسوخا لم يفهموا الحرية التي غنوا لها عشرات السنين فوافقوا على إيداعنا السجون بحكم قانون التظاهر 

تظاهر !!!!   عند أمك 

وعندنا ...................... غربال سوف تسقط منه عاجلا أم آجلا 



*عفوا إن وردت بعض الألفاظ التي قد تخدش حياء ( أشك أنه بقي في ظل العهر المجتمعي على حاله ! ) القراء ! 

هناك تعليق واحد:

  1. انصدمت ، ولكن درجو الصدمة كانت اقل بفعل الصدمات اللى حصلتلى من بعد 25 يناير فى كل الناس اللى كنت شايفيهم يمين وطلعوا شماااال

    التعبير مناسب والتشبية رائع ، يكاد يصرخ من كتمان صوتى
    مناسب تماما " الغربال " ، الخوف ان الست تموت ويفضل الغربال باللى فيه ، ويبقى الحق والباطل مالهومش تمييز عن بعض فى الايام اللى جاية

    ابدعتى فعلا يا سارة .. تحياتى ليكى :) :)

    ردحذف