الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

العيد الخامس والعشرون !

من المفترض أن يكتب المتكلمون عن الأعياد بشيء يمت للأحياء ... عيد ميلاد أو زواج أو ذكرى لشيء بهيج !

اليوم أدون لأجلك !

اليوم ........... لأول مرة ..... أكتب لك أنت وحدك دون أي شيء حولك !!

اليوم شارفت الخامس والعشرين من عمرك .... ربما شهور أكثر أو أيام أقل ! 

اليوم يا عزيزي صرت شابا يافعا ............ تراك ماذا تفعل هنالك ؟

اليوم ........... لو كنت بيننا .......... لكان بين يديك حجر من صخور القدس تدفع بها مر العدوان كالعادة ، لربما كان بين يديك بندقية !

كيف صار شكلك !

بالطبع صار لك شارب ولحية ! .... بالطبع لم تزل نعومة وجهك الصغير محفوظة بقلبك !

تراك تذكرنا ؟

تذكر ذعرنا ؟ لم تكن هنا عندما فزعنا أمام الشاشة ! لم تكن هنا !

ليلتها .. نعم ... أذكر ليلتها جيدا ... كنا متجمعين أمام التلفاز ... كان هناك صخب حول الأقصى ، تحذيرات من الجانبين ... تحذير بالاقتحام وتحذير بالرد !
ذهبنا للمدرسة ..... كان الشتاء قارس يا صديقي .... وأنت ذهبت إلى الأقصى ، كنت مع المرابطين هناك !
دخل الخنزير يدنس مسجدنا .... قبلتنا ... دخل بالسلاح بيت الإله ... بيت السلام بمدينة السلام ... وأنت هناك !

وقف الجميع يفدون المدينة ، يفدون الزيتون بصدور عارية ، وقفت كالشبل بين الأسود !
اشتد الضرب ... مازلت تركض خلف والدك ، ونحن نركض خلف الصورة !

يجلس بحضن الأب ! .... يصوَّب المدفع الرشاش إليه ! ... ونحن نصرخ ... اختبيء يا صديق ... اختبيء ... كلا لاتطل بوجهك هناك ... اختبيء


نصرخ بجزع في الأب أن يحميه ! نصرخ بهلع نحو الجندي .. نظن أن الجندي واقف خلف التلفاز لأنه ليس في كادر الكاميرا !
لماذا تقتله توقف إنه طفل يا غبي لماذا توقف توقف ... المذيعة تعلق ... المصور يصرخ ... الجميع كأنه يصور مشهدا مأساويا خياليا في فيلم سينما معروض للأوسكار !
لا أحد يصدق هذا الهراء ! 

وفجأة وبعد مزيج الصراخ ... الرعب .... أجساد صغيرة أمام الكاميرا وأمام الشاشة يجمعها الرعب والارتعاد والصراخ !
توقف الأب عن التلويح بالكف عن الضرب ........... وهوى !

نظرت بلهفة صرخت ... هل مات ؟ مات الأب ؟ قال أبي : بل مات الطفل !

وقفت مذهولة يا عزيزي عندما رأيت جسدك الصغير وقتها ... عندما كنت وقت تماما مثلي في الثانية عشر بالصف السادس لن أتعجب إن كنت تدرس نفس القصص باللغة العربية ... عن عقلة الإصبع وأماني !

ما دريت كيف أفعل ! دخلت غرفتي في هلع شديد ... أريد أن أصرخ .. أن أملأ الدنيا صراخا .. وبت أسأل كيف يقتل في حضن والده ؟ بالله قولوا !

كنت في تلك الأيام إذا خفت من منام مزعج أتسلل لغرفة أمي .. أدس نفسي بين أبوي .. أمسك يد أمي جيدا وهكذا أنام !
ليلتها كل ما رأيت على التلفاز دار برأسي ... بين الخوف وبين الغضب ولأول مرة أفهم ما معنى الثأر !

الثأر أن تحرم من حرمك الحياة حياته !
من أخذ لعبتك ... من قتل شمسك ... من وأد حلمك ... الثأر هو نار تحرق صدرك  غضبا لا يطفيئا إلا القصاص من الظالم !

كبرنا يا محمد ............... كبرنا لدرجة كئيبة علمتنا أن التار حتى لا يعيد الأرض ولا يرأب الصدع ولا يطهر العرض عن الخطايا !

كبرنا وعرفنا ...... أن ذاك الثأر لن يعيدك للحياة ثانية ... لن يعيد قفزاتك ولا ضحكاتك ثانية
أدركنا هذا يا محمد عندما جاوزنا العشرين ! 

عندما عرفنا أن الموت لا يعني الرجوع إلى الله وفقط ! لا يعني ملذات الجنة الجميلة وفقط ! تلك الكلمات التي كانوا ينيموننا بها صغارا كي لا نبكي عليك ! ولا على أحد !

عرفنا أن الموت يقطع منا جزءا جديدا كل يوم ، أننا لا نموت فجأة ولكنا نموت على مراحل موت أصدقائنا وأحبابنا كل يوم !

مت يا محمد .... وتركت فينا عهدا قويا أن نستعيد القدس لأجلك .... مت ... مرض العهد مرضا عضالا لم يستفق منه حتى اليوم !

مت ............. ونحن ثرنا على الظالم وسجناه سنة لنعطي مفاتح السجن للجلاد !

مت ........ وبدلا من الحرب على الصهاينة القتلة .... خرجنا نهتف أننا مازلنا نريد حرية ... قتلنا الخوف .... لكننا جلبنا كل العنف واللاإنسانية .
أحيينا الشجاعة لكننا قتلنا القضية ... اليوم يا محمد يقولون عنك وعن القدس وعن فلسطين وعن كل شيء برائحة الزيتون أجنبيا !

منذ متى يا عزيزي كنت أجنبيا ؟

منذ متى وعيونك تشابه رسم عيوني ، وشعرك مثل شعر أخي ، وكنا بنفس الطول ونفس الحجم !

منذ متى ؟ وكنا نتقاسم أغنية الجدة كل مساء بنفس اللحن ؟

منذ متى ؟ وقد كنا نمرر القمر كل ليلة بين النجوم يحمل باقي الحكاية !

منذ متى ؟ ونحن نتقاسم خبز الصباح واستراحة الظهيرة وكلمات النجوم في المساء ؟

يقولون عنك أجنبيا !

وكان ملابسك تشبه تماما ملابسنا ، ونظرة الأمل تطل من عيونك لأعيننا تقول اكبروا بأمان وصبر !

والله يا صديقي ماعدت أدري هل كنت أجنبيا حقا فخرجت من غربة الأرض ! أم صرنا بعدك غرباء مثلك بقضية مقتولة !

#في_ذكرى_محمد_الدرة

هناك تعليقان (2):

  1. كلمات مؤثرة ومؤلمة ، رحم الله الشهيد الطفل ، اذكر اني كنت بالجامعة ، وكم بكيت ،، كم بكينا ،، وتوجعنا .. لكن هذا قدرنا ،، قدر الفلسطيني .. كان الله في عوننا .

    ردحذف
    الردود
    1. لا يا امتياز هذا مش قدركم ومفيش قدر لفلسطيني وحده !

      احنا .. أنا عن نفسي مازلت أعتبر القضية الفلسطينية قضيتي وهمها همي

      محمد الدرة كأنه اخي ... دمه لا يفرق عن دم أي بني ادم مصري !

      الحدود تراب يا عزيزتي

      الحدود تراب والأرض لنا

      حذف