الثلاثاء، 7 يوليو 2015

1- أرجوانية !

صباح الخير يا عزيزي ،

تحممت اليوم بعطر اللافندر ، وكان الثوب القرمزي اختياراً انسيابياً فوق جسدي ، يمنحه التفافة اللافندر الرائع ، فقط لأبدو عندما أراك كزهرة أرجوانية حميمة .

هذا العطر الذي يغزوني ويتمتزج بكامل جسمي ، يلفني ويحتويني بثورته ، كأن جلدي استجاب للثورة ، كأن كل جزء في صار منتشياً بانتفاضة العطر الهائجة ، فبدأت أدندن أغنيتنا الحبيبة للسيدة فيروز "شايف البحر " تذكرت حينما كنت تديرها لي مساءً قرب الشرفة ونحن نطالع الشمس وهي تلقي كل ظلالها في أحضان هذا البحر البعيد ...
وتذكرت حينما كنت تديرها لي صباحاً مع زقزقات الشروق ، حينما أتحمم بماء الورد وأخرج سعيدة بصباحك الرائع .

أجلس أتفحص وجهي في مرآة صارت داكنة اللون من صفرة أصابتها بعد بريق ،لم أعد رائقة كالسابق ، لكن اللافندر يدب الحياة في احمرار وجنتي ، أحاول تصفيف شعري ،أتعثر به ، لست بحالة تجعلني سريعة الغضب كعادتي ... من أين أتاني هذا الهدوء ... صوت فيروز أم رائحة الأرجواني ؟ لا أعرف .. أرحت رأسي للخلف ... تذكرتك !

حينما كنت أتعثر فيه أيضا ، أتذمر ، لدي مهامي الصباحية ، لا أريد دفع دقيقة زيادة في تصفيف هذا الشعث !
حينها كنت تقف خلفي وتبتسم ، كنت تجبرني على الجلوس وتهمس لا تعكري صفو بسمتك ،
ألامس شعري مثلما كنت تلامسه كأنك تهدهد طفلاً يرفض اسكات حنجرته عن صريخ مزعج ومتصل !
ثم تصففه بهدوء ... تخبرني أنك ستكمل معي مهام عملي .. أخبرك لا يجوز .. وتسأل عن التفاصيل .. ونغوص فيها .. وتغوص في شعري ... وفجأة تخبرني انك انتهيت ..ألم شعثه وأقفز إلى مكتبي ... تضحك لجنون الطفلة ... تحضري لي قهوة راق لها صباحي فأتت بأنغامها الخاصة ...

أجلس الآن أمام مرآتي ... شعري مشعث جدا ... أتعثر بتصفيفه ثانية .. كأنه ليس شعري أو أني ضاق صدري بدلاله وحماقته !

بهدوء أحاول استعادة حيلك في التصفيف ... بهدوء أحاول منح نفسي الفرصة كي أظل مسحورة باللافندر ... ويقفز في رأسي سؤالٌ سخيفاٌ ، متى ظهرت التجاعيد بوجه الحب ؟ متى صار كهلاً ؟ متى انشق كل منا عن نفسه فصار آخر ؟ متى صرت عجوزاً هكذا حتى تبدو لي المرأة الممددة أمامك في الشرفة تملأ صدرها بأنفاس البحر وملوحته وعبقه شابةً جداً ؟ صغيرةً جداً ؟ وغريبة أيضاً ؟

سماع صوتك في صباحاتي كان القهوة ... منذ متى عاف قلبي القهوة ؟ منذ متى فترت أذني ؟ ومللت أصابعي من إدارة الأرقام على هاتفي حينما أستيقظ ولا أجدك هنا ؟ لا أعرف

أريد العودة لذاك البحر ... أريد العودة لتلك الأغنيات ... أريد العودة لتلك النسمات التي كانت تملأ أنوفنا بعطر بعضنا ... أريد العودة لعطرك أنت وزهراتي أنا ... بدلا من الأشياء التي أنظمها حولي كي تسرقني منك فتغرقني أكثر في تفاصيلك !
كما القهوة رفيقة الحزن ، يكون اللافندر فارس الشجن ... فارس في عنفوانه ... يشغلني بشباب عطره عن كهولة مشاعري ... وقسوة انشغالك ..

وداعاً .


دست الرسالة كعادتها في درج مكتبها ، قامت إلى المرآة وعدلت مظهرها الشعث ، نظرت للفستان القرمزي الطويل بنعومته المخمليه بحب ، ارتدته ، نظرت ثانية في المرآة ، ابتسمت ،  ومضت

قرأها بهدوء كعادته ، ارتسمت على وجهه الجامد شبهة ابتسامة ، وضع الورقة فوق المكتب ونظر إليها ، فوجدها غارقة في قرمزية ثوبها كوردة تنضح بتلاتها بالحياة ، أحكم الغطاء على جسدها المسجى ، وبهدوء سحب الباب وهرب !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق