الجمعة، 10 يوليو 2015

2- أحمر !!

بعينين متعبتين جلس يراقب الغروب في الشرفة ، يكفهر الأفقر باحمرار قرص الشمس الذي يغوص شبراً بشبر في الأفق البعيد .

يكسوه بصيص النور الأحمر الملتهب ، طالما أحب الأحمر في درجات مختلفة ، لكنه مؤخراً صار ينزعج منه لكثرة الدماء المسالة في عالم لا يقدر الجمال ولا الروح ولا الأشياء .

لطالما كان مثل الأحمر في كل شيء ،دفئه وجنونه وحرارته وهياج ثورته ، كان ناعم وجذاب رقيق وفخم وساحر ، وكان قويا وكان صريحاً وكان ثائراً ، كان يلف كل من حوله بشيء من حرارة حميمة .

في عافية الثور وعناده ، وفي فخامة الأسد وغروره ، كالطاووس يسير ، وكالعصفور المغرد حينما يحلو له اللحن !

دفتر برتقالي فوق منضدة دائرية صغيرة من خشب البامبو ، لها قرص يعلوه مفرش مفرغ بأشكال زهرات دائريَّة صغيرة ، قلم ، وطفاية سجائر امتلأت عن آخرها رغم أنه في الأصل لا يدخن .

مد يده إلى الدفتر بتثاقل ، اعتدل على كرسيه المريح ، رفع قدمه على حافة الشرفة ليجعلها مسنداً لكتابته ،،

اليوم .. السابع من هذا الشهر الطويل .. أكتب عن جنونها ..

كالعادة تركت لي رسالة بخط يدها المتردد ، لكن اليوم كانت أكثر استرسالا في خطابها عن ذي قبل ، أخبرتني عن اللافندر ، ولا أعرف لماذا اختارت اللافندر الليلة ؟ هل لأنها تعلم أن أحب زهور اللافندر ؟ ربما !

تلك الزهور المنتصبة القوية والتي تملأك بعبيرها بمجرد ملامستها ،

كانت يوما في عيني كزهرة اللافندر ، ويا للسخرية ، لقد ارتدت ذات الثوب القرمزي الذي ابتعناه في شهر العسل ، كانت تبدو جذابة جدا بهذا الثوب حتى ثارت غيرتي عليها ، وأخبرتها أنها لن ترتدي هذا الثوب أمام أي رجل ، كانت مثيرة جدا ، يعطيها شعرها البني وعيونها العسلية الواسعة مظهر قاتل فتَّان ، ثم يا ويل ضحكتها حينما كانت ترتديه وترفع شعرها عن كتفيها فتظهر رقبتها طويلة كرقبة الزرافة ، تتأرجح رأسها مثل كرة مطاطية فوق هذا العنق الدقيق الشمعي حتى تخالها ستسقط ، كانت ضحكتها ساحرة ، أثارت غضبي يومها ، كانت جميلة حد تفحص كل العيون لها ، أجل ... كنت محسود عليها في تلك السهرة ، كانت عيونها تحيطني ، تحملني ولا ترى سواي ، كانت تتفحصني جدا ، وكنت غبياً وقتها ، كنت مشغولاً عنها بتفحص الناظرين لها ، قفزت من المقعد وطلبت منها العودة للمنزل ، كانت تريد مشاركتي الرقص ، لم أرقص ، قررت الخروج من هذا المكان وفقط .
انطفأت عينها في تلك الليلة ، خرجت كأنها تجر ويلات الهزيمة وقتها ، شعرت بغصة لأول مرة في حلقي ، قتلتني نظرتها الحزينة ، أذكر أني أسرعت للسيارة ، وهي خلفي ، قررت أن أشتري لها باقة زهور من مفضلتها ، أوقفت سيارتي بناصية شارع أعرفه وتعللت بشراء شيء من محل بنهاية الشارع ولا موقف للسيارة هناك ، دقائق وسأعود ، يومها اضررت للسير شارعين آخرين حتى أظهر من خلف السيارة ولا تراني ، كانت سارحة في هاتفها ، وضعت الزهر بحقيبة السيارة فالتفتت وأنا أفتحها لكنها لم تراه ، أسرعت إلى المنزل ، طلبت منها الذهاب على أن ألحق بها ، أخذت الورد وكان معي اسطوانة جديدة لـ" بحيرة البجع- تشايكوفيسكي"

لا أعرف كيف كتمت دموعها أو أين كانت دموعها طوال تلك الفترة ؟ حتى عندما كانت تنتظر وحدها بالسيارة لم تبكِ ! ثم انفجرت فجأة حينما خطت غرفتها ، سألت ما بها قالت لا شيء ، مسحت دموعها وابتسمت من خلف غيم الحزن ، رفعت الورد لها واعتذرت ، أخبرتها كم كانت فاتنة وكم كانت تتفحصها العيون ، كانت الباقة صحبة من لافندر فواح ، ابتسمت وبكت وألقت نفسها في صدري !

طلبت منها الرقص مثلما كانت تريد ، أدرنا الأسطوانة ورقصنا ، كانت تضحك جدا ، كانت فواحة كاللافندر ، كانت تبدو بحق كزهرة أرجوانية ، كأني كنت أراقص النسيم .
كانت من أجمل الليالي القليلة التي قضيناها في منزلنا في العاصمة ، ولهذا أحب فستانها القرمزي ، ما زال له نفس رائحة اللافندر الأولى .
فضضت رسالتها لتوي ، ألقيتها على المكتب ، آلمني كلمها كما آلمتني نظرة الناس لوجهها البراق ، متى ظهرت تجاعيد الحب بيننا ؟ لا أعرف ...... لكنني منهك بما يكفي ، لا أعرف ، لن يصلح الحكي شيء ، لن يصلح حديثنا شيء ، سنعود مثلما كنا بعد ساعات ، كل في عالمه .....

انتهى ،

أغلق دفتره ، كان الظلام جاثم على البحر بثقله ، خلع بتثاقل رابطة عنقه المفكوكة ، بثقل وصل إلى الأريكة المجاورة ، ألقى بنفسه عليها ، كأنه ليس هو ، وليس هنا ... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق