الثلاثاء، 14 يوليو 2015

3- فـيـروزيـة !



صباح مشرق وجسد أنهكته أفكار المساء ، سماء تنبض بالحياة وعصفورات تنشط مع أشعة الشمس الناعمة فتتراقص في فرح لتعلن الإشراق العظيم .


متثاقلة تنظر إلى النافذة لتكتشف الشروق ، تنهض ببطء ، الغرفة خالية لا أثر له هنا ، ليس بالخارج ، أعقاب السجائر تنبئ بمروره العابر ، تخطو بوهن مطأطئة الرأس في أسى نحو الشرفة ، تبدو المياة رائعة جدا !


بثياب النوم عبرت الحاجز الرملي إلى البحر ، خطت فيه بهدوء ثم استسلمت لمياهه ، لامست وجهها ، شهقت ، رفعت رأسها للأعلى ووقفت ، غسلته عدة مرات متتالية في محاولة لطرد النعاس والألم ، في خرق لعاداتها جعلت رأسها وشعرها يذوب في الماء ، استرخت ، بدأت في سباحة هادئة ، تغسل في البحر نعاسها وكوابيس ليلها ووهن القلب وكل شيء ، قريبة من الشاطيء ، اقتربت قليلا أكثر ، جلست والماء يغطي نصفها ويلامس صدرها ، يضربها بخفة حينما يموج إلى عنقها فترجع برأسها للخلف مستسلمة لمداعبات الموج ، صارت ترى البحر بوضوح الآن ، كيف قضت الأيام الفائتة بلا عناق طويل لهذا البحر وملوحته ؟ ألقت نفسها فيه ثانية كأنها تعانقه الآن ، تذوب فيه وتسبح ، غسلت نفسها من جديد ، شعرت بالجوع ، عاودت السباحة إلى الشاطيء ، ألقت على البحر نظرة استئذان واتجهت لمنزلها .


بخطى حريصة دخلت كانت مبتلة ومليئة بالرمل ، غسلت تلك الآثار ، لفت جسمها بمنشفتها البيضاء ووقفت أمام خزانتها !


اليوم ؟


فيروزي


السماء الزرقاء والبحر الرائق الفيروزي ، فستان يليق بهذا الجمال ،


مدت يدها إلى فستان أبيض فضفاض ، يتشرب نصفه الأسفل بتدرج رائع للون الأزرق السماوي فيظهر لون الفيروز في معظمه كلون البحر ، كأنما ترتدي موجة ، على صدره سلسال مطرز من فراشات فيروزية لامعة ، يضفي الخيط عليها جمال خاص ، قرط من أحجار الفيروز مناسب تماماً ، عطر من رائحة المحيط يحمل حمض البرتقال ، يجعلها أكثر انتشاء بصباح كهذا ،


قهوة ؟ أم تفاح أخضر ؟ أم وجبة من المكسرات الخفيفة قد تجعلها أكثر نشاطا ؟ أم جميعهم ؟


أفرغت بعض البرتقال في كأس وهي تحضر صندوقا صغيراً تضع فيه بعض المكسرات وشرائح الفاكهة ، ستقضي نهارها هناك على أمواج الشاطيء ، شعر مسدل على كتفيها ، وفستان يداعب النسيم ويداعبه ، وكتاب صغير عن امرأة لاتينية تدور في بلاد الله باحثة عن الحب والثروة .


أمسكت هاتفها خطت رسالة قصيرة ، إرسال ، ابتسمت ومضت !


دفتر بنفس زرقة المياة الفيروزية ، تسطر فيه مقتبساتها من الكتب ، ساعة مرت دون أن تكتب فيه شيء ، مضى أكثرها في تأمل اللاشيء في لون البحر ورائحة أمواجه ،


داعب النسيم رموشها ، أرخت رأسها ونعست قليلاً ، تركت أمرها للهواء ، شمس الخريف حيية كشمس الربيع ، ناعمة كثوب حرير ، دافئة كرائحة البرتقال ، حميمة كالقهوة ، لا تلسع ولا تخدع ،


من بعيد رآها مستلقية على أحد الكراسي القريبة من الشاطيء ، حركة شعرها العشوائية وهدوءها يدل أنها غارقة في ملكوت آخر لربما غلبها النعاس ، رائحة البحر هائجة اليوم على غير العادة ، اقترب قليلاً ليميز ثوبها ، ابتسم بكبرياء شديد ، أدرك كيف أنها اختارت الفيروز أيقونة يومها ووسمه ، هزّ رأسه بلا فائدة ومضى للمنزل يحمل سترته بطرف إصبعه ويثنيها فوق كتفه ، وجد كالعادة ورقة منها فوق منضدة الطعام ، " سوف يصلنا غداء شهي في الرابعة .. أرجوك لا تذهب ... تذوق معي بعض ملوحة هذا السحر في أسماكه مرة ! "


نظر في الورقة ، لا فائدة من كل ما تفعل ، يريد أن يعانقها بشدة ، عاد اليوم وهو يريد فعل ذلك ، فجاة عندما رآها تراجع ، لماذا ؟ لا يعرف ، قبض كفه على الورقة الزهرية المسكينة ، ألقاها فوق شيء لم يميز اتجاهه ، بدل ثيابه ومن الباب الأمامي خرج !


عصف الهواء بدفترها الفيروزي المفتوح أمامها ، استفاقت عندما لمسها ، جمعت كتابها ودفترها ، وقفت واستدارت نحو الشرفة ، لمحت طيفه يتحرك هناك ، هتفت بصوت مبحوح ، لم يسمع ، اقتربت ، كان قدر خرج !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق