الخميس، 25 يونيو 2015

بعثراتي وأفكاري المشعثة !

لا أعرف متى ينتهي هذا الشعور ، أني لا أنتمي إلى هذا العالم ، لا أعرفه ولا أنتمي له ولا أريده !!

أني سقطت سهواً من أحداث رواية ، رواية فقدت ملامحها في مقاتلاتي الهزلية في عالم الواقع ، كتاب لا أعرف عنوانه ولا أدري بأي رف قد وُضِـع !

متى أتيت ؟ ومتى أذهب من هنا ؟ لا أعرف 

اختناق يكتنف روحي وقلبي ، لا شيء هنا يشعرني بالدفء ، بالوطن !

أحمل غربتي بين ضلوعي يضيق صدري بي وبها ، متى أعود للوطن ؟ ثم ما هو الوطن ؟ لا أعرف تحديداً !! 
في صباحٍ ما ، استيقظت وبداخلي غربة شديدة !!

ثم باتت تكبر كل مساء ، وتتعملق كل صباح ، حتى جعلتني مفصولة تماما عن هذا العالم !

لم يعد هناك أية شغف لأي شيء ،  حلم ولا مستقبل ولا حاضر !

أذكر الماضي بشيء من تعب ، تعثر ، صعوبة ألم في أسفل رأسي ، كأني أذكر شيئا لم أعشه ، أو عشته في عالم آخر !

ملامح جدي باتت تهرب وتختفي ، صدى ضحكته صار بعيداً جداً على غير العادة منذ سنوات !

لا أدرك عدد سنوات عمري كأن الزمن توقف بلحظة وأنا واقفة هناك لا أتحرك قيد أنملة .

اليوم رأيت صورة لنبات الصبار ، كوجع في رأسي أتت ذكرى أني كنت أزرع الصبار ، بدا لي الأمر كأنه من قديم الأزل ، مشهد من فيلم تراكم عليه التراب في أرشيف سينما عفنة ! 

كنت أزرع الصبار وأحبه كثيرا ، كان لدي ثلاثة أنواع على الأقل من الصبار في الشرفة ، كان لدي نوع يزهر في الربيع ، كانت فرحتي وبهجتي للأمر كفرحتي بطفل وليد ، زهرة مخملية رائعة ودافئة ، لونها وردي فاتح مختلط بالأبيض ، رقيقة وناعمة ودافئة جدا ، كان لي صديقة من الصبار أو صديق ، كان صباراً اعتيادياً ، كبرت وكبرت وكبرت ، وصارت أوراقها أعرض ، الآن أذكر أنني كنت بمنديل ورقي أمسح أوراقها بهدوء وطيبة ، كأني أمسح أطراف طفلة صغيرة ، كانت ناعمة وحنون جداً ، كانت تلمع عندما أفعل ، كانت تميل على يدي أو أني كنت أظن ذلك أو أصوره لنفسي لكني كنت أشعر بشيء من الحب المتبادل بيننا ، كنت أقبلها بين الشوك ، وكانت ترد القبلة ، كنت أحبها جداً ، ماتت !
وكان لدي نوع آخر ، لاأذكر اسمه ، كان يقف منتصبا مثل الإنسان ، رافعاً أذرعه تجاه السماء ، كان شامخاً بحق ، كان أخضره جميل جداً ، داكن وقوي ، وبين الأخضر تعريجات أفتح قليلا تميل للصفرة كنهر يسري بين ضفتين خضراوين قويين ، تتزينان بالشوك القوي ، تعريجات الأخضر الفاتح تسري طولا وارتفاعاً وتميل في خطوط مستقيمة متعرجة الجوانب تماما كالنهر ، وكل ذراعين يقفان بزاوية قائمة فوق الذراعين السابقين لهما ، عندما كان ينبت لهما برعما جدياً ، كان يبدو صغيراً جدا كوليد تأسرك براءة عيناه ، وريقات صغيره وناعمة لا أثر للقوة والصرامة والانتصاب ولا شوك بعد ، لهما درجة ناضرة من الأخضر الجذاب تجعلك تتأملها ولا تمل ، كانت جميلة جدا ، بحذر كنت أمرر يدي بمنديل أو قماش نظيف وأحيانا مبلل فوق النهر الساري بين الشوك ، أمسح التراب عن وجهه اللامع فيبدو زاهياً جدا ... كان يشيكني .. وكنت أعانده ، ويعاندني وأصرخ فيه ويتذمر في وجهي أخرج له لساني وأمضي ، ويجذبني الأخضر الزاهي بين الدكنة ، فأعود وأبتسم !
أما القبة ، لم نكن أصدقاء ، كنت أخاف منه ، في أول مرة نقله أبي إلى الشرفة شاكني ، كانت شوكته قاتلة ، بالنسبة لطفلة كانت قاتلة ، شوكته كانت تحدث ألماً أشبه بالتنميل ، كأن أنملك أصابه الشلل المؤقت ، كان مزعجاً جداً لي ، كنت غاضبة منه وحذرة ، لعله لم يعرفني بعد ، هو ليس من أصدقائي لعله لهذا السبب شاكني ؟ كلا .. أنا المخطئة لم أكن حذرة بما يكفي وقد حذرني أبي ، 
كان مثل القُـبَّـة ، يتعرج فيه وبين أشواكه درجة الأخضر المحبب إليّ ، كان وجهه بشوشاً رغم ذلك ، شعرت أنه لطيفاً رغم شراسته الأولى ، بدأ يكبر ويكبر ويتكور ويزداد جمالا كلما تكور ، كان أبي يقول إنه يختزن الماء بداخله ، كنت أحب الفكرة ، كانت أشواكه تثير فضولي للمسها ، كنت ألمسها وأتحسسها برفق ، كانت تقف على شيء أشبه بالإسفنج أو القطن شيء مخملي ناعم جداً ، تحديت الشوك ، ثم صادقت الشوك ، ثم صرت أشيك نفسي به كي أتعود ألمه ، ثم صرت أسقيه بانتظام وأتابعه ، ثم صرت أداعب شوكاته ويبتسم ، ثم رأيت يوما بروزاً فيه أخبرني أبي أنها " خلفة " صبارة صغيرة يمكن نقلها بعد بعض الوقت في إصيص آخر ، كانت صغيرة تتسلل من تحت أمها ، تكبر وتكبر وتكبر ثم ينبت لها جذر وتنفصل ، كنت سعيدةً جداً ، بدأت ثانية وثالثة بالظهور على مدار الأيام والشهور ، صار سلوكا معتادا من تلك الصبارة بالتحديد جعلني أحبها أكثر وأبتهج بها أكثر وأكثر ، كانت كشجرة التفاح بالنسبة إلي ترمي طرحها في حجري وأنا سعيدة بالثمر ، كانت الورد كالزهر كالعبير ، كنت حقاً سعيدا باللآليء الصغيرة التي تخرج كل فترة بجانبها فننقلها في وعاء آخر ، ثم ذات ربيع ، بدأت بإخراج أحد البراعم ، كان غريباً جدا ، كنت متشوقة لأعرف ما هذا يوم وآخر بدأ يتكون له شكل ، كان البرعم زهرة مغلقة ، كبر البرعم وطال ، إلى حد معين ثم توقف عن النمو ، وفي يوم " شم النسيم" تحديداً استيقظت صباحاً باكراً فتحت الشرفة أتنسم الهواء البكر ، وجدتها تفتحت ! تقافزت فرحاً صرخت ، ركضت إلى غرفة أبي أخبرته الأمر ، أخذته ليرى الزهرة الجميلة ، تبعته أمي ، كان الأمر أشبه بهدية رائعة منها ، كانت زهرتها جميلة جدا جدا جدا ، كانت رقيقة كطفلة ناعمة ، وكان يافعة كامرأة حرة ، كانت باسقة تنظر للسماء في عزة ، ورقة وجمال آسر ، كان لها عطر خفيف جداً أذكره الآن ، كان لونها جميل بحق ، كانت تشبه الخيال ، تشبه الرسم الوردي المتشعب في الأبيض ، كانت ببساطة جميلة ! 

ظلت تفعل ذات الأمر كل ربيع ، كل " شم نسيم " تفاجئني بوردة حرة ، حتى .... أكلها فأر عابر ، يا للخيبة ! ماتت الصبارة ! لم نحضر غيرها ، لسبب غبي قررت ضم مساحة الشرفة إلى الاستقبال ، ألححت في طلبي ، دبرت نفقاته ، قاتلت ، ضممت الشرفة إلى الاستقبال بعد أن ماتت زرعاتي تباعاً ، نقلت البقية إلى الحديقة بدم بارد ، أقفرت أُصُـص الزرع ، لم أحاول أن أزرع ثانية ، وقتها فقدت جزءاً آخر من روحي ! 

وهكذا ترحل الروح قبلنا !  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق