الثلاثاء، 30 يونيو 2020

الروائح! .... أشياء مبعثرة

عندما أتيه، أحاول التشبث بشيء، أحاول ألا أغرق ثانية في بئر الخوف والظلام ... يا إلهي كم هو مرعب!

أحاول أن أفعل أي شيء يبقيني حية!

أريد أن أموت، لكني أتردد في الفكرة كثيرًا، أشعر بالذنب تجاه نفسي والعالم، أقول سأموت لا شيء مثلما عشت لا شيء! فكرة مؤلمة تحمل في طياتها رسالة لاأفهمها!

عندما يضيق صدري، أخبز .... أخبز عندما يملأ قلبي الحزن والألم .... وعندما يصارع قلبي ضلوعي ورئتاي على النَّفس،  أخبز شيئًا حلوا كي أضيف له السكر والفانيلا، أو السكر والقرفة، أحب رائحة الموز في المخبوزات!

منذ أكثر من شهر أعدت التجربة مع الكعك ... خبزت الكعك (كوكيز) وكنت سعيدة جدًا به! بدأت نظام غذائي كي أفقد ما اكتسبته بفعل النهم العصبي (وقد صار عادتي إذا ما داهمني القلق والاكتئاب ابتلاع الأخضر واليابس والأكل بغُلٍّ حقيقي لا أعرف ممن أنتقم في الطعام؟) فبحثت عن طريقة مناسبة بدقيق اللوز وجوز الهند

أخبز، بمزيج من التعب والثقل، أحرك نفسي تجاه المطبخ كأنما أرفع جبلا أو أدفعه! أبدأ بالمكونات السعيدة، البيض والزبدة ورائحة الفانيلا! أنا أعشق الفانيلا! 

يميل قلبي لذكرى الموز فأضيف قطرتين من رائحة الموز لنصف العجين، وأضيف مسحوق الكاكاو للنصف الآخر!
أهرس التوت مع قليل من السكر وأزين به الكعكات الصغيرات قبل دسهن في الفرن!

أقفل بتعب وثقل وقلة حيلة، بحزن يسحبني كلي للأسفل، أنتظر بفارغ الصبر أن تبتسم لي الكعكات من خلف الزجاج وتقول لي لقد نجحت!

أصنع لنفسي كوبا من الشاي في بداية المهمة، أضيف له أوراق الورد المجفف، ذرات الهيل المطحون، وبضع فصوص من القرنفل! 
هذه المرأة أنا! تلك هي الأوقات القليلة جدًا والنادرة التي أرى فيها "أنا" 

امرأة تحب الورد دائمًا وأبدًا، تنشقه وتعتني به، ولا ترضى له الموت فتبعث فيه الروح ثانية في كوب شاي، أو فنجان مع مزيج من الأعشاب الجميلة، تفوح من إبريقها رائحة عطرية ساحرة تملأ نفسها بالهدوء أخيرًا!

الصيف قبل الماضي اشتريت إبريق شاي زجاجي تمامًا، حتى أرى فيه بديع المزيج السحري الذي يعيد لي روحي لدقائق قبل هروبها من جديد!
كنت عندما أسافر إلى "دهب" في سيناء أشتري توليفة جميلة وشهية ... أوراق ورد ومرامية وحبق .... آخذ حفنة وأضعها في إبريق الشاي العادي وأضيف بعض حبات الشاي .... كان كل ضيوفي يصيبهم شيء من هذا السحر البدوي الجميل!

أحب الشاي والورد والقرنفل والهيل، أمزجهم بصبر ورجاء، فيضمونني بحب وسلام!
هذه المرأة التي تحتسي الشاي على مهلٍ وبتلات الورد تداعب ناظريها هي "أنا"!

يحملني الورد على تكملة المهمة، الدقائق الثقيلة أمام الفرن، يبتسمن .... يزهرن ..... يتحول لونهن الأبيض إلى ذهبي جميل، يتوسطه أرجواني التوت المذهل ... أخرج الطبق وقد فاحت رائحة الفانيلا والموز والكعك في كل أرجاء المكان

أعيد الكرة، مرة ومرة ومرة ..... تتزاكي الرائحة وتنبعث وتعلو وتحيط بي وتقول لي لا بأس ... أرأيتِ؟ الخبز يصلح كل شيء!

تثني أمي على الرائحة، تقول إن رائحة الكعكات تجعل البيت سعيدًا!

أتذكر مقولة المرأة العجوزة في رواية برتغالية لِكِنَّتِها، اصنعي الخبز في البيت يا ابنتي، هكذا يعرف زوجك البيت، هكذا يحب زوجك البيت، هكذا يشعر أنه بيت!

يخنقني العالم ورائحة الفانيلا تنقذ أنفاسي! هل هي الفانيلا وحدها؟ 

السكر أيضًا مثل يد حنون تسحبني! أشتري ثمار الفراولة والتوت والعليق، أمزجهم على النار، أستمر في التقليب مع السكر، يتمازجون، يبعثون في البيت رائحة المربى الشهية، أبتسم لهم، أبتسم لنفسي، أقول اليوم صار بيتي بيتًا!

يجثم الحزن على صدري !

ألتمس أصدقائي، فلا أجد

ألتمس قلبًا كان يشعر بقلبي على البعد فلا أجد

أتذكر أني لم أضع آخر الكعكات نضجًا في علبة محكمة حتى أتناولها في الصباح

أعدل وضع الكعكات .... أجيء هنا كي أهذي بما يعتمل في صدري .... وأرغب أن منتصف الليل الحزين يكون شفيعًا لعقلي بالنوم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق