الثلاثاء، 18 فبراير 2014

جنون الأمل !

كانت تجلس وحدها على شطآنه المقفرة ، تتأمل بقايا الأشياء وكأنها ترى الحياة فيها بعد .

الساحة تبدو خربة كأنها إثر حرب ضارية ، أو كأنه انفجار آخر ضرب الأرض ، كل شيء يخلو من حياة .... حتى مياة النهر صارت عكرة .
كانت تجلس وفقط ، لا شيء يدعو للجلوس والتأمل بعد نزول الغربان ساحة العراك ، بعد الدمار ، بعد ما يجر كل من الخاسر والخاسر أذياله ويرحل .

شهدت الحرب ، لم تكن طرفا فيها ، شهدتها وبكت في قلبها ، حاولت أن تلمس الأشياء المبعثرة ، أن تجمعها ، ظنت أن هناك فارسا سيعود ، حتما سيعود ، سيجمع أشلاء قلبه الممزق ألف قطعة بين الشظايا .
من بعيد ، لاحت لها فراشة ، سكنت على يدها قليلا ... ابتسمت كطفلة ... هل قلت كـــ ؟ إنها بالفعل طفلة ، لم تنضج لساحات العراك بعد .
جلست أياما تنظر إلى اللاشيء ، الذي يجمع بين دماره كل شيء ، تنظر القطع الصغيرة ، تقول ستنمو ... أي جنون هذا .... إنما تنمو البذور ... تكبر البراعم ... تزدهر النبتات ... أي حياة في تلك الأشياء المتشحة بالسواد رغم أنفها !

المياه عكرة ، أي حياة الآن إنما هي محض زيف ... لم تصدق ... ظلت تترقب ظهور شيء ... من الجنون والعبث أن تفعل ... لا فارس يجمع أشلاء قلبه .... ولا حياة يمكن أن تخرج بعد ألف يوم من هنا ولا ألف شهر ... مكان موحش .. لماذا تجلس هكذا ، والعجيب أنها .... بين كل حين وآخر ترفع رأسها عن صورة المياة العكرة .... وتبتسم .

على الجانب الآخر من النهر
طفل صغير ... يبدو عليه التعب والمرض ..... كأنه شبح إنسان ... مخطوط بقلم حاد النصل ، خيوط رفيعة تربطه ببعضه وتشكل هيكله ، عندما يقوى على فعل شيء .. يستجمع طاقة اليوم كله ... كي ينظر إليها فقط ويبتسم ...!
فراشة تلوح من بعيد ......... لا تستطيع المرور إلى الجانب الآخر ........ تقف تهلل لها .... تناديه .... يستجمع كل طاقة الشمس الحزينة التي استمدها طيلة نهار ونصف .... يرفع عينيه ببطء لها .... تشير إلى الفراشة وتضحك ... تضحك بشدة .... ببطء كأنه صخرة تتدحرج على باب كهف عتيق يحرك رأسه تجاه إصبعها ، يبتسم ... وكأن التبسم يوشك أن يقتله .... تتراقص ... تحثه على لمس الفراشة .... تنظر آسفة لأثر الجسر المدمر .. تحاول من جديد أن تحثه تجاهها ... تنتظر بلهفة عبور الفراشة ... تدور حول نفسها ... تتقافز ... إنه الفرح ... هناك حياة مازالت هنا .

برعم أخضر .... يعكس نور الشمس على وجهه .... يضيء كثيرا ... يمنحه الأخضر حياة جديدة ... يقف الآن شبه منتصب ... يتكيء على بعض الحطام .. يزيح صخرة صغيرة وأشياء بالية .... يشير إلى الجالسة بعيون ناعسة على الجانب الآخر ... لتدرك وجود النبتة ... تصرخ .... لا تصدق .... فراشة بالأمس ونبتة تداعب اليوم نور الشمس الخجول؟

يبتسمان ..... ما زال هناك أمل .... سيعود ليحمل أشلاء قلبه ... سيأخذنا معه .... سيحفظ النبتة .... ويداعب الفراشة ... إنه الموعد .... وبالفعل أتى .... ضحك للفراشة ... أخذ أشياء تخصه ... وترك قلبه ... وترك الطفل ... وترك أشياء كثيرة .... جذبت قميصه لتريه النبتة ... دعنا نعمر تلك الأرض .... دعنا نقيم الجنة هنا كما كانت .... ابتسم لها ابتسامة سريعة .. التفت لشيء من الذكرة بجانب النبتة .... هرع إليه ... نادت الطفل وضحكت ... لقد وجدا جسرا من بقايا الحطام .. لم يلتفت للطفل أصلا .... انتزع حاجته .. ودعس النبتة في تسرعه .... تجاوز النهر بساقيه الطويلين ... يسب عكارته طول الطريق ... ربت على كتفها ... بسمة صفراء باردة ... تركها ورحل !

وفقت تنظر للطفل .... مذهولة .... تسيل الدموع منها على غير قصد ... تحاول التماسك ... وقعت ... صرخت بأعلى ما تملك ... انتحبت .... نظرت للطفل ... وجدته مطأطيء الرأس خجلان .... كان صاحبه الأمل له ولها ...

ظلت شهورا تدور في الغابة الموحشة وحدها بلا حياة .. كل شيء أسود هنا ... أسود قاتم ... رائحة الدخان تخنقها ... تثير الغثيان .... تبحث كالمجنونة نهارا عن نبتة أخرى .... لعله لم يقصد دعس الأولى ..... وفي الليل .... تقف أمام نفسها وتصرخ هيا ارحلي ... ما عاد لك شيئا هنا .

يمر العام

تمر شهور

تمر ساعات أثقل من الدهر

تعتاد الدخان

تجد مكانا قليل الأثر الشاحب لها .... تختبيء فيه .... تغلق الباب على نفسها ... في باديء الأمر ... كانت تخرج كل ليلة أو ضحى تتفقد المسكين على الجانب الآخر ... حتى عادت في يوم لتجده مقيد بالسلاسل ... يحذرها الاقتراب كي لا تموت .... عندما عاد المخضرم .... قيد ابنه الأوحد ... قيد ما بقي من روحه ... في جذع شجرة نتنة الرائحة ... مكان قفير .
دخلت الغار الضيق ... تعرف منه فتحة السقف طلوع النهار ونزول الليل .... تعد الأيام ... تتخطاها ... إلى اللاشيء .

ترى هل يعود ؟

ترى هل تكون النبتة هناك ؟

ترى هل يعيش الطفل الصغير !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق