الخميس، 20 فبراير 2014

جنون الأمل ..... 2

الكهوف ليست سيئة هكذا ، هي قاتمة بحق وموحشة ، لا فيها حياة ولا لون ولكنها آمنة تماما ضد تفاعلات الحياة المريبة والزائفة والمخيفة في آن واحد .

بالنسبة لصغيرة لا تعرف سوى النهر والغابة ولون الفراشات فإن الكهف مكان مفزع ومخيف ... هو قبر جديد فوق الأرض ، كان لابد منه كي تحافظ على باقي الأشياء بداخلها بلا تكسير .

حيث طفل ممزق من الخوف والألم بالخارج ، حيث أنها لا تستطيع عبور النهر ولا تعرف طريقا إليه ، حيث أن الطفل نفسه بدأ يجمع قوته ويجر الصخرة المقيد بها بعيدا عن محل نظرها لم يبقى شيئا يبعث على حياة بالخارج .

أخذت بواقي أشلاء نفسها وسكنت هناك .... من فتحة صغيرة في السقف .... كانت تعرف تعاقب الأيام ، كانت ترى نجمة هنا أو كوكب هناك .... كانت أحيانا تبتسم ... وتتعجب أنها مازالت تبتسم ....

تسمع صوت أقدام كل ليال طوال ... تنظر ... لعل القادم هو ..... كلا ... إنها الرياح تعدل موضع الأشياء وفقط .

في أول ليالي الكهف كانت تبكي .... كانت لا تعرف سوى البكاء ... حاولت إنارته .. لكنها فشلت .. اعتادت ظلمته ... حتى أنها صارت تعرف في الظلام مواضع الأشياء بلا تعثر .

مع الشروق تخرج .... إلى عبثها اليومي ... تعود مع تمايل الشمس ... وأحيانا يأخذها العمل والانشغال إلى المساء .... في طريق العودة ... تتذكر كل شيء .... كانت تبكي ... اعتادت ... صارت تختنق بالبكاء ... ثم تعلم القلب كيف يبكي بهدوء لأن الكائنات الأخرى لم تعد تفهم الدمع .

الأيام ........ متى تنتهي الأيام ؟ متى تستبدل الكهف في الغابة المقفرة بكهف آخر لربما أكثر كآبة في بقعة أخرى على الأرض ! بقعة لا تحمل صورته ولا يتناثر فوقها عبق عطره !

تمر الأيام ... كشريط سينمائي يحمل نفس الصور ... لا تبديل ..... تكرار مقيت .... والموت ... لماذا يختطف الناس من حولها ويتركها؟ وبعد ؟ ترى ماذا ستفعل بالموت ؟ .... حتما ستفعل الكثير .... على الأقل ستنتهي من دائرة الأيام المتكررة منذ عام مضى !


خطوات حثيثة .... إنه هو .... تفرح بشدة .... تختبيء خلف الصخرة ... يبحث عنها ... تظهر له طرف فستانها ... يبدأ بتوجيه الكلام نحو الكهف ... تخرج رأسها من خلف الصخرة ... إنه بالفعل يقصدها ... يداعبها ... ويغضبها ... فتغضب ... تدير ظهرها ... يضحك .. يناديها من جديد ... يداعبها .. ويحنو .. ويقترب ... فتنظر ثانية إليه ... يجلسان على باب الكهف ... يتحدثان .... يضحكان ... يقول لها سأحضر شيئا ... تنام منتظرة .... في الصباح .... تجده رحل !

تدخل الكهف .. تلعن نفسها ألف مرة أن خاطبته ... شهور تمر ... يأتي ثانية .... بوجه خجول ..... يؤلم قلبها ألا تجيبه أو لا تعرف ماذا بخلده ..... يقترب ويقف ... آسف .... تبكي ! .... تتكلم قليلا ... يشتبكان بالكلام .... يهدآن .... ثم كعادته يرحل !

لعنته تلك المرة ألف مرة !
خرجت تصرخ في الغابة وتركل الأشياء لأول مرة .... خرجت تصرخ أمام النهر وأمام الصخرة وأمام الأشجار المحترقة ... أمام مكان النبتة الأولى .... أعلنت بأعلى صوتها في القفير أنها لن تبحث عن أي برعم يظهر ... إن ظهر الأخضر في الغابة سأقتله ... كلكم كاذبون .

بدأت تشحب ....... الموت يحاوط المكان .......... تنتظره ............ تريده بشدة ......... لا يأتي ......... تبكي ......... شهور مرت ... حياتها استقرت ... اعتادت الوجع والوحدة وأنفاس الموت القميئة .... رائحة الجثث ..... لا فراشات تلوح في عتمة الشتاء رغم أنها أشد فصول الحر ..... يقترب .... يحاول إضحاكها ... تطرده ... تغلق الصخرة ... تجلس باكية

كيف صارا هكذا !

كيف صارت قوية ؟ كيف ماتت الطفلة ؟ كيف استأنست الوحدة والكهف وهي تخاف من الظلام ؟

شيئا قويا يرتل باسمه في الأرجاء القريبة ، صوت يشبه الأنين والغناء مزيج بين منتحب ومنتشي بالحب !

شيء عجيب !

اقامت شبه مأتم وشبه حداد وشبه عزاء لشبه ميت !

الصبح تشرق في يوم عجيب

لها رائحة مختلفة

لها لون

عبقى الزهر يملأ المكان

زهر خجول

يمتد لفتحات الكهف على استحياء

دعاها للخروج ثانية

خافت

ارتعبت

ألم يمت !

لماذا يشرق مع نور الشمس فيكسوها ضياءه !

منبهرة بلون الزهر

أي برعم تركته يا فتاة فأنبت كل هذا دون أن تدري ؟

ألم يحرق الحديقة قبل خروجه ؟

ألم يعد كل مرة ويذهب فتقتلين كل برعم يشرق بنور وجهه الباسم !

كيف هربت كل هذه البراعم ؟

لا نهر ولا بذر ولا شمس تدعمها فتنمو !

زهور اصطناعية !

تدير ظهرها للباب

للصخرة

طرقات متناغمة

هو هو !

لماذا ؟ وكيف ؟ قد أقمت مأتما ... أبنتك بقصيدة رثائية ..... بكيتك حتى صار الدمع لي أقرب الأصدقاء ... انتحب قلبي وسكن به الحزن كساكن أبدي ... من أنت !


هل هي حقا ورودا اصطناعية ؟

من أين يفوح العبق إذن ؟

كيف تلمس وجه أناس افتراضيين !

هل كان هناك !
.........................................> 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق