السبت، 12 أغسطس 2023

بين راحة الجهل، ونعمة الوعي وشقاءه!

بعد مشاهدة تمثيلية مصرية على إحدى التطبيقات الاليكترونية الخاصة التي تعرض التسجيلات بلا مقاطعات من إعلان وغيره، وبعدما نفد صبري من مماطلة المخرج في كثير من المشاهد والأحداث، دارت مناقشة بيني وبين أمي حول الوعي!

الوعي ومقداره في التربية وبناء العلاقات! أمر عجيب أن يحظى جيلي بهذا القدر من الوعي النفسي.

نقول بيننا وبين بعضنا، لقد حصلنا على هذا الوعي نتيجة لصدمات الطفولة التي أحدثها فينا والدونا، أولا يعترينا غضب جامح عارم، غضب مثل سيل العرم، مثل فيضان نوح، غضب يسحقنا من الداخل، It crushes our souls 

انظر لتلك الجرادة المقلية، ضعها تحت ضروسك الداخلية، واطحنها! كلا ... ليس هذا هو الصوت بالضبط!

هل تعرف الذي يبيع العصافير المقلية أمام مسجد السيدة زينب؟ العصافير وليس السمان، هل تظن العصافير المقلية مقرمشة بما يكفي؟

أعتقد أني وجدتها، هات روبيان واحد، جمبري كبير، قم بقليه، بالقشر، اسحق القشر تحت ضروسك وقلبه في فمك، نعم، هذا هو الصوت، لكنه ليس صوت القشيرات ولكن صوت عظامنا، العظام المسحوقة تحت ضروس أهلينا الذين ظنوا أحسن الظن أنهم يفعلون كل هذا لمصلحتنا، فبدلا من أن يبنوا لنا العضلات كسروا عظامنا في دنيا ضخمة قوية وقاسية!

لا بأس!

لا بكاء على اللبن المسكوب!

البكاء على الفائت نقصان من العقل!

انظروا للنصف الممتلي، بعد الفراغ من الكوابيس النهارية، القلق المزمن، نوبات الهلع، سحقات الاكتئاب، موجات التقلب المزاجي، الثقة بالنفس المهترئة، الخوف من المجهول، الخوف من شريكك حتى تطمئن ولا تطمئن بما يكفي، وتعتذر فقط لأنك تعرف أنه أنت لا أحد غيرك، الخوف من أن تبث ذات الرعب في أبناءك، الخوف من أن يراك زملاؤك بالعمل عاريًا تمامًا عن كل حصانة! بعد أن تفرغ كل مخاوفك، والتي قد تكون أكثر مما ذكرت .. ترى النصف الممتلىء، ترى كمَّ وعيك بذاتك، قدرتك على التعاطف والفهم، قدرتك العالية المبهرة على التجاوز، تجاوز الإساءة، وتجاوز التجاهل، وتجاوز العجرفة الفارغة، سترى قدرتك المبهرة على ميزان الناس، سيكون ميزانك أكثر حساسية مما تتخيل، ميزان من الذهب، ستجد أن هذا العقل المعطوب من الصدمات العقلية والنفسية يلتئم بطريقة مختلفة، يخلق لك معجزة جديدة في القدرة على التعلم والنضج توازي ولو قليلا قدرة عقل غير معطوب، تدرك وقتها أنك بطل في روايتك، وروايات أخرى، روايات الآخرون الذين يرون العطب بوضوح، ويرون إصرارك الساطع لعقل متفتق الذكاء وروح صلدة لا تقوَ على الهزيمة، سوف يرون أن السلحفاة التي كسرت قدمها، وصدفتها، وضاع منها الطريق قد طورت جناحين، ليس بالمعنى المتداول للأجنحة ولكن صنعت قدمًا أخرى، ودعمًا للصدفة، وذاكرت الطريق، وحاولت الإبحار عكس كل تيار، بلا بوصلة، وبلا ربَّان، تلك السلحفاة أمعنت النظر في النهار كما فعلت في ظلام الليل، وقعت وتململت، لكنها لم تقبل الهزيمة!

في النصف الممتلىء من الكوب سوف لا تجد أي أرنبٍ مهووس بالمنافسة!

ستكون أنت، وطريقك، والليل، والقمر، والنجمات، والزهور، والنسيم أو العواصف، أنت وفقط، ستمشي الطريق لأنه لا سبيل آخر، نستأنس به، ويأنس بك، وستعرف كيف تصاحب النجمات، وكيف تصادق تلك الزهور، وكيف يبتسم القمر، وكيف تبدأ حديثًا مع الظلام، سترافق الظلام، ولن يفزعك شيء حتى وإن أفزعك في وضح النهار كل شيء!


النور نعمة، ونقمة!

ما بالك بالرؤية في النور والظلمة؟ هذا الوعي لن يمنحك متعة الجهل الحميمة اللذيذة، هذا الوعي سوف يجعلك كمحرك نفاث يعمل ليل نهار، بلا كلل، ولا تعب! كلا .. بكلِّ كلل وتعب، بإرهاق وجوع للنوم، بمحاولة مستميتة للنوم أو إيقاف عقلك عن ملاحظة كل كبيرة وصغيرة، سوف تشغل يديك، عضلاتك كلها، سوف ترفع الحديد كل ينزل الفِكر، وتفشل، سوف تصم أذنك الموسيقى الصاخبة، كي يخفت صوت عقلك، وتفشل، حتى تذوب في تفاصيلٍ مـا! ترقب شيئًا عادية جدًّا، تخلص إلى أمور غاية في البداهة، وتضيع في ثنياتها وخوافيها، تذوب، وتخرج باستنتاجات مبدعة البلاهة! لكنك سعيد، سعيد لإن الضوضاء هدأت ولو لثوان!

اطمئن يا صديقي، اطمئني يا صديقتي، سوف نألف الضوضاء، والنور، والظلمة، سوف تعصف بنا لحظات الهدوء كشبح مؤرق، سوف نعتاد الصخب والشغب كوسائل التأقلم الطيبة، سوف نستيقظ بدون قهوة، ونتذوق الحلوى بدون سكر، ونختبر العشرات من أنظمة الغذاء، ومئات من تمرينات الحركة، سنكون بقمة السطحية، وبغاية العمق.

لكن .. وبعد كل هذه التقلبات كموج المحيط الهائج، سأخبرك يا صديقي أنك ستنجو .. ستحب الحياة بشكل مختلف، وتفلت يديك من تلك المحبة بشكل مدهش!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق