الأحد، 27 ديسمبر 2020

الغربة والوطن وأشياء أخرى!

 بالأمس ... طلبت مني صديقة كتاب باللغة العربية، هي تعرف القراءة والكتابة، تتحدث بالفصحى ولغتها إلى حد كبير سليمة بل وجيدة أيضًا .. حركتني تجاه متجر الكتب .. لم أخطُ تلك الأماكن منذ زمن!

في هذا المكان تحديدا، التابع لدار نشر أعدها من مفضلاتي لأنها تنشر مفضلاتي، وقفت أنتقي لها رواية، أقارن بين الروايات، أسأل المرشد هناك، تأخذني قدماي كالعادة تجاه الأستاذ نجيب، أقف في كل مرة منبهرة أمام الكتب، ألمس الروايات التي قرأتها من قبل وكأني ألقي التحية على الحاضرين من أبطالها، أود لو أعانقهم بشدة، لو أشكرهم فردًا فردًا على تلك المتعة والجمال، أربت على غلاف الرواية وأبتسم، أقول للأستاذ نجيب في تربيتي عليها لقد قرأتها وأعجبتني ونلت شرف فهمها وتذوقها!

أخذتني روايات الأستاذ التي لم أقرأها، تمتد يدي بحركة لا إرادية تجاه الكتب، أحب الكتب وتحبني الكتب، يناديني الكتاب تلو الآخر لا تعودي لبيتك بدوني! 

لفترة طويلة سابقة انقطعت عن كل شيء، عن الحياة، عن الكتب، عن الألوان، عن الناس، عني ... عن كل أسباب العيش ... 
كنت أتيه في نفسي ولا أعرف من أنا وماذا أحب، الفقد مرير، وأكثره مرارة عندما تفقد روحك، وعندما تصفعك الصدمات فيصيبك شلل من شدة الألم، شيء أشبه بالخدر، لا تستقم لك حياة كالتي قبل الصدمة من جديد!

أشتري الكتب بشكل آلي، عادة أفعلها لسنوات، ولا أقرأها، أدور في مكتبة كبيرة، الكتب تستفزني، ولكني أعرف أني لم أعد أقرأ أي شيء، أمد يدي نحو الكتاب، أقرأ بضعة أسطر، أضعه في سكون، أبتسم ابتسامة المقهور، أود لو أمسك الكتاب بقوة كما اعتدت أن أفعل، أن أنجز القراءة في أسبوع او اثنين، أن أقرا وألخص الكتاب، أن أعيد قراءة سطور بعينها أو فصول محددة ..
لكني لم أكن أنا ...

بالأمس شعرت بالجوع، مأدبة شهية من الكتب، رصة رائعة لكتابات الأستاذ نجيب تستفزني، أمد يدي للرواية، يقول لي المرشد لغتها ليست بتلك السهولة، أقول له لكن القصة تجذبني، ألتقط الأخرى فالأخرى، أقول له سأقرأهم أنا وأشتري لها شيئا آخر!

صديقتي متحمسة للقراءة جدا، وأنا راسلتها بقولي: أنت تعيدينني للقراءة من جديد!

منذ شهور طويلة وسنوات، فقدت نفسي وسط كل هذا الزخم، نسيت من أنا وكيف أبدو، سألت صديقة لي كيف كنت؟ لكنها أخطأت الفهم فأجابت بأشياء لا تمت بصلة!
أصابتني خيبة أمل كبيرة، في صديقتي وفي نفسي كالعادة!

كنت أتساءل أسئلة بسيطة جدا، مثل: ما هو لوني المفضل؟
ما حيواني المفضل؟
ما أيقونتي المفضلة؟
من هو الشاعر الذي أحبه؟
وما هي الأغنية التي تجذبني؟
وأي لون من الموسيقى أعشق؟

الموسيقى صديق حميم، صحيح أصابها العبث الذي أصاب أفكاري وصورتي عن كل شيء، لكني بقيت أختار أغنيات موسيقى الجاز في المفضلة، ومازالت موسيقى الجاز هي مفضلتي!

بالأمس .... الأشياء الجميلة تحدث بالأمس .... في الليلة الأخيرة بين الوطن والغربة ... في الوصلة بين هنا وهناك ...
وجدت سلسالا على شكل فراشة .... جذبني بشدة ... رغم أنه جذبني آخر وآخر وآخر ... لكني وقفت عند الفراشة، عندما وضعته على صدري وكأن شيئا جميلا أضاءه ... الفراشة تشبه صدري .. تشبه بشرتي وجلدي ... تشبهني أكثر ... الفراشة كانت ولا زالت مفضلتي ... قلت للبائع كلهم رائعين .. لكن الفراشة تشبهني أكثر

أسير سعيدة بانتصاراتي الطفولية الحمقاء ... فنجان قهوة من "عبدالمعبود" (مظبوط) حافظت على (الوش) من الذوبان وارتشفت منه رشفتين بلذته الكريمية السماوية الجميلة، القهوة لم تزرع في الأرض القهوة أنزلت من النعيم!
أبتسم لنفسي ... أضحك ... أشعر بسعادة غامرة أني وصلت إلى السيارة ولم أسكب القهوة ولم ينفذ صبري بسهولة
أنفذ وصية أخي ... أفتح النافذة ... أدير الموسيقى ... أسير و (زقزوقة) على مهل وتؤدة ... الهواء البارد يلفح وجهي وقلبي ... القهوة تمنحني ما كنت أفتقده ... الأمس ... الأمس الذي يشبهني ... وتحضرني لليوم الذي أكتشفه ... ذات الطعم الذي كان يقدمه لي أبي وأنا طفلة في بداية معرفتي بالقهوة!

أشتاق الغربة ... أقول أني أنتقل من وطن إلى وطن

من بيتي إلى بيتي

أسير وسط صخب الناس وزحامهم وذهولهم بتلك الحياة الذي تفضحه خطواتهم المضطربة على ثباتها، أقول الحمدلله بقلب شاكر ... أسكن لفكرة الرحيل .. اشتقت البيت ... أقول لمولاي لعل هناك مكان يركن فيه قلبي أكثر ... أعرف أني أبحث عن الوطن ويبحث عني، أعرف اليوم أن للإنسان أكثر من وطن، وأن وطن الميلاد كالأم لا نختارها ولا نكمل معها، ووطن العيش كالحبيبة ... وأنا أبحث عن نفسي وعن حبيبي ... أطمئن للمدينة التي أسكنها .. أحبها ... وأشتاق إليها ... أعدها في كل مرة أسير فيها أني ان ابتعدت سأعود ... لكني مازلت لا أعرف أين وطن العيش !

الغربة غربة الروح لا الأماكن، ولا الأوطان!

هناك تعليق واحد:

  1. أنا حقيقي بعتذر عن التطويل
    أحيانا بتجيلي الفكرة في وقت مش مناسب للكتاب
    وأحيانا بيكون الوقت مناسب والفكرة بتجري
    أنا بس بحاول أرجع لعاداتي القديمة واحدة واحدة
    وبحاول أكتب من تاني لإني شبه نسيت إزاي الكتابة
    فمعلش لو الكتابات مشعثة ومعلش كتير لو لسة كتابات شخصية حبتين

    إن شاء الله في يوم هقدر تاني أكتب عن حاجات تانية غير نفسي اللي لسة بتكعبل فيها

    شكرا لتفهمكم :)
    وشكرا للناس اللي لسة بترشح مدونتي للقراءة .. أنا حقيقي ممتنة ليكم جدا والله

    ردحذف