الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

تلك البدايات الناعمة ......

كان يسير بحذر إلى مكان مهمته، مجهولة تلك المهمة بقدر معلوماته عنها، يبين الشيء للوهلة الأولى كأنه واضح ومحدد، ليست كل الرسومات ببساطة خطوطها العريضة، عندما يكون للأمر صلة بالبشر صدقني فهو أكثر تعقيدًا وأشد سهولة في ذات الوقت!
كانت تقف هناك، تطوعت لدقيقة واحدة ان تمنع كارثة حتى يأتي المكلف بتلك المهمة لاستلامها، كجندي محترف وقفت بصرامة توجه هذا وتأمر ذاك، بعينين واسعتين واثقتين وقفت، بعينيها البنيتين بخطوط دخانية من رواسب أسود تبرجها السابق وقفت، بكنزة بيضاء وشال منقوش بورود زرقاء وقفت، ببسمة تلقت وجوده، سألها بتوجس إن كانت المهمة مسندة إليها، قالت لا، بقليل من الحزم  دعته لاستلام مكانه والقيام بدوره، وانسحب للجهة المقابلة!

أي لون عين قد ضرب حجرًا في مياه الآخر الراكدة؟ عينيه الناعستين بلونها الزرعي الفاتح المريح، أم عينيها العميقتين اللتين تأخذانه إلى حيث تفقد الجاذبية الأرضية تأثيرها على قدميه فيسقط!

موظف جديد وهاديء، يظهر عليه الالتزام، لا تراه يتحدث بصوت عالٍ، على رقة ملامحه ودقة جسده إلا أن لديه خطوة رصينة، يسير كاللامبالي بالحياة، ملامحه رقيقة لكنها توحي بالحزم، ولا يمزح مثل بقية فريقه، وهي، امرأة ثابتة واثقة الخطوة، تقابله فلا تلقي سلامًا ولا تبسمها، عينيها صارمتين معظم الوقت، لماذا اهتزت الأرض تحت قدميه عندما وقف أمامها وجها لوجه واختفى صوته وبح!

من نافذة صغيرة تستطيع أن ترى ما وراء الباب، لديه نافذة مقابلة أيضًا، تقول لنفسها هل رقته تستقيم مع ما يقابل؟ رغم رقتها الظاهرة رغمًا عنها فهي تلقب نفسها بمصاصة الدماء، تقول جذلة إنها تبتلع من يضايقها إذا قررت هذا، وهو؟ تراه رقيق البنية، هاديء الطبع، راقي الأخلاق، هل يبتلع من يضايقه مثلها؟
تتلصص النظرة، وتسترق السمع، المحيط هاديء، صوت رجولي يعلو، لا تدري على هذا صوته أم صوت المشرف، هل المشرف بالخارج؟ لم تلاحظه، هدأ الصوت، وبدأ هو بخطوات بسيطة للأمام والخلف يظهر من نافذتها ويختفي، بعينيها الواسعتين ترقبه، يستقيم شعاع نظرها إليها، في حين يلتفت، تطيل النظر، تعرف في قرارة نفسها أنها ثابتة الأقدام، وأنه سيضطرب، اضطرب، أشاح بنظره في جهة أخرى ثم عاد ينظر لعلها خجلت، لكنها كانت ثابتة النظرة، وكأنها أمسكت به متلبسًا، تحركت خطوتين، وتحرك هو خطوات، كان يدور في الموقع المحدد لعمله، يراقب هذا ويتابع هذا، مهمتها أسهل لديها فرصة أكبر كي تراقبه، لكنه متلهف أن يسترق نظرة أو نظرتين على تلك المخلوقة الغريبة جدًا، التي ابتسمت له لأول مرة وكان صوتها يهز الجدران قبلها بثوانٍ قليلة!
يدور ويرجع، ينظر ويتمنى أن تنظر وألا تنظر، أسئلة تدور برأسه لكنه محتاج إلى التركيز لإنهاء مهمتة، تنهي عملها وتختفي، عليه أن يبقى لدقيقتين في موقعه بعد انصرافها، لماذا لم تتوقف فتسأله كيف كانت مهمته؟ سأل نفسه محتارًا يشعر بالخيبة!

هذا الاضطراب عندما يضبطنا أحدهم نتلصص عليه، تلك البسمات اللا شعورية، تلك الإشارات التي تنبعث بهدوء ولطف، تلك النعومة التي تتسلل إلى قلوبنا، تستمر لدقائق، لساعات، لأيام، لأكثر أو أقل، يتجدد شعورها كل حين، عندما تنظر لمفازتك من تلك الحياة بقرب حبيبك، حين تنظر فجأة فتكون النظرة متبادلة ...... وناعمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق