الأربعاء، 27 نوفمبر 2019

النظرات المحتارة

ما بين أن يلقي السلام عليها إذ التقت أعينهما وبين أن يتجاهلها مثلما تفعل دائمًا، نظرة حائرة اعتلت وجهه، لمحتها سريعًا وهي تتظاهر بالانشغال بشيء في يدها، خطوات واثقة لتعبر بجانبه، بابتسامة واثقة وعريضة وطيبة حيته، ما الذي تفعله البسمات بقلوبنا ووجوهنا إذا جاءت من حيث نريد؟ ماذا تفعل انقباضة القلب بكل هذا الجبروت والقوة إذا جاءتها التحية كرياح عاصفة تهدم كل تلك الأسوار وتصرف هذا الجيش من الجنود الحارسة لقلوبنا كي لا نقع في شباك الرقة؟ بابتسامة عريضة تنفرج شفتيه، تتجعد الخطوط حول عينيه، بعد ثبات خطواته يضطرب، بعد قدرته على النظرة المتحدية في عينيها تنصرف عيونه إلى اللاشيء، تبتسم وتكمل في ثبات، وكأنها إعصار يمر فوق القرى ولا يبالي بما احترق بها، بخطواتها التي تدب الأرض بلا اهتمام، كأنها فراشة لا تستطيع الثبات على زهرة، أو العصفور لا يقدر على الوقوف ثوانٍ أطول، تكمل طريقها، ويتعثر هو في خطوات نفسه، كأن شيئًا يكبل قدميه ويسحبه للوراء، لا يحب النساء الواثقات هكذا، يخاف منهن، يتسلح بالصرامة كي لا يصبح لعبتهن، إلا هذه، أمامها يقف كعصفور بلله القطر، يبتسم ولا يبالي أي ثنايا قد تنكشف إذ يمنحها كل ثغره في التبسم، تضيق عينيه ولا يبالي إن لم يرَ أي شيءٍ بعدها إلا هي، ينخفض صوته، تصيبه بحة عجيبة، وناعمة، يصبح مثل وردة بلا شوك، وعندما يفيق من تلك العاصفة يتذكر دروعه، يتذكر صف الضباط الذين يجندهم، يتذكر  درع صرامته أين هو فيتذكر أنه يتفتت أمام نعومة بسمتها، يتذكر تلك الكلمات التي يرددها بداخله كتعويذة إذا رآها مقبلة، لن أبتسم لها، لن أحييها، سوف أعبر بجانبها دون أن أطرف، أو أهمس، أنا منشغل، أنا حقًا منشغل، هذا المشروع الذي أعمل عليه، يجب أن أكلم رئيسه في ..... صباح النور! يا إلهي كم هي محيرة، تلك الأوراق التي خبأ نفسه ورآها لينشغل عنها تبعثرت تحت حذاءها، يا إلهي، كم هي ساحرة! ثم ما الذي يسحر فيها؟ امرأة ... مجرد امرأة بلا شيء مختلف، لا تترنح بمشيتها ولكن عطرها ... عطرها يصيبني في مقتل كل مرة، هل كانت متعطرة اليوم؟ لا أذكر لأن نظرتها بعثرت أمري إلى شتات بعيد!
كيف تصبح النساء بارعات في التخفي مثل الزواحف تمامًا، على نحو جيد، تتكيف مع الصحراء والزهور، تتكيف مع أوراق الأشجار وجذوعها ولحاءها، تتكيف مع البحر والرمل وتلتحفهم، وتتكيف مع الصخور وتجد وسادة فيهم!
كيف لها أن تخبيء كل هذا الخوف، وكل هذا الضعف والهشاشة بين جنباتها وتسير، لا تكشف سرها إلا إذا اطمأنت وهدأت وارتاح قلبها لصدر من تلقي عليه مخاوفها، وكيف تصبح أكثر صلابة إذا لم تجد هذا الأمن؟
وكيف تصبح وحشًا كاسرًا إذا إذا خانها الأمن!
كيف يتبدد حزن الرجل ببسمة عابرة من أي امرأة، وكيف لا تزول سحائبها سوى من ابتسامة نفسها لنفسها!
المرأة حصن، وحضن، وعاصفة، ونهر، وجنة، وأميرة، وملكة، وثورة، وفراشة، وعصفور، وزهرة، وساحرة، ودجالة، وسيدة، وجارية، وكل شيء وأي شيء وكل الخيارات مفتوحة أمامك كيف أنت لها ومنها وبها وعندها؟

هو شاعر .... هو كاتب .... هو رقيق الطبع، هو يبحث بفضول الراوي عن سرّها، لا سرّ بها، كيف يكون بتلك الشفافة سرّ؟
وهذا ما يحيره كثيرًا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق