السبت، 27 يوليو 2024

صديقتي زهرة اللوتس ... زنبقة النيل

 عندي صديقة مثل زهرة اللوتس، ناعمة جدا عندما تزهر، تتفتح بسلاسة ورقة، تزهر بنعومة، وتفوح بدلال!

عودها صلب، وجذورها ممتدة، تماما مثل زهرة اللوتس!

لكنها لا ترى!

صديقتي هذه -عزيزي القاريء- قادرة على خلق تجمعات طيبة، تجمع الطيبين حولها كما تجمع الزنبقة البيضاء المزيد من الزنابق وتخلق مجتمعًا مزهرًا جميلًا، لكنها بنهاية اليوم تغلق أوراقها، وتقف وحيدة.

خانتها الحياة عدة مرات، خانها الحب! وخانها الفارس والحصان الأبيض، وخانتها قصص الطفولة، وحيوية الشباب، وحتى حكمة الشيوخ، كلهم خانوها مرة واحدة!

في كل مرة تجلس وحيدة، تنام باكية، تخفي تلك الدموع في الصباح، وتفرغ كل شحنتها في المساء، تماما مثل اللوتس، تموت في المساء، ولكن وقتما تشرق الشمس تفتح أوراقها من جديد!

المسافات بعيدة بيننا، والليالي طويلة وحالكة، والحزن الذي تحمله وحدك قد يقسم ظهرك، لكنها لا تشارك "القُفَّــة" أبدًا ... رغم سنوات صداقتنا، لا تدعني أحمل معها الحزن إلا عندما يقتلها!

في هذه السطور أريدها أن تعرف أشياء عن نفسها أعتقد أنها نسيتها:

١- صديقتي جميلة جدا، سوف ترى الشمس تشرق من بسمتها، الربيع يزهر، الحياة تبتسم، بسمتها أجمل ما تحفظه عيني، عندما نتهاتف على البعد وتضحك أراها بعيني، ولم أر أجمل من ضحكتها!

٢- صديقتي ذكية جدا، جدا، جديرة بها أن تكون رئيسة جمهورية، أو رئيسة مافيا، سوف تفلح في كليهما، حازمة وعطوفة، لو رأيت حزمها فقط سوف ترتجف أواصرك، وإن رأيت عطفها فقط سوف تظنها من رقتها أطيب من فراشة زهور ملونة!

٣- صديقتي عطوفة وحنونة، في إحدى نكباتي وأكبرها كما أظن، كانت تضمني بحضنها وتبكي، أرى في عيونها شفقة العالم ورحمته، إن رأيت الرفق بعيونها، تظن أنها خلقت من كريستالات غاية في الدقة، وأن لمحة من حزن قد تعصف بها إلى شظايا متناثرة، ترى شفقتها على حزني، فتشفق عليها أن تتناثر من عظيم عطفها!

٤- صديقتي قوية، صحيح هي تشبه نصف قلم رصاص بلا محاية، لكنها وتد! قوية عقلا وقلبا وجسدًا، تخيل أنها حملت ابنتها تسعة أشهر بلا كلل، وضعتها بلا مسكن أو مخدر، تحملت كل السهر وحدها، وربت ابنة عشرة أعوام وحدها! هي الأم والأب، هي العائلة، صديقتي ولدت ابنتها وحدها، بلا أمها، لم أخبرها قط كم أنني ارتعبت حينها، كم أنني بكيت أن أمها ماتت قبل أن تعرف قوة ابنتها وصلابتها، كيف أنها لم تحضر معها المزيد من الذكريات، في كل مرة أرى لمحة من ضعف قد تمس صديقتي أذكر والدتها في غرفة العناية المركزة، أمسكت بيدي وهي تحتضر، قالت لي: هي وصيتك، خلي بالك منها! صديقتي رغم كل الأعاصير وقفت وحدها، وقفت قوية، وقفت متزنة، وقفت مثل اللبؤة، ووقفت مثل التنين، ووقفت في وجه الإعصار الذي عصف ببيتها وحياتها وحدها، زي الوتد!

٥- صديقتي شاعرة وفنانة، أغار منها كثيرًا، هي تعرف منذ تصادقنا أنني أعشق الشعر، وأهوى الكتابة، وأحب التعليق الصوتي، لكنني مغفلة، وهي فنانة وشاعرة! كانت تكتب القصائد، تسجلها لي، أسمعها ويقشعر بدني، أقول يا ويلي لو نشرت تلك المقاطع! صوتها يغزو عظامك، وكلماتها تشق الطريق إلى عميق دواخلك، وكل معانيها تجد طريقها في التعبير عن حالك! يا ويلي من شعرها!

٦- صديقتي صاحبة ذوق! تحب المنمنمات، الفسيفساء، الزهور، الألوان المشرقة مثل روحها، تعشق الأعمال اليدوية، تهتم بالتفاصيل، تختار على مهل ما يغريها، تذوب في الفن، وأذنها الموسيقية رائعة، قد نجلس لساعة نستمع لأغنية طويلة، نتمزج نتسطلن، لا نملّ ولا نفتر، صوتها رخيم حين تغني، وتفتش عن المميز دوما!

٧- صديقتي بسيطة! لا يهم أين نتقابل وأين نمضي وقتنا، قد نسير من ميدان التحرير حتى أكتوبر، قد نسير من بيتها حتى ميدان الحصري، قد نجلس في الشارع على الرصيف، أو نتناول وجبة شهية في حديقة مفتوحة ليس بها غيرنا، نمضي الساعات في المشي وتناول المثلجات، أو المشي وتناول المكسرات وغزل البنات والفشار وكل ما لذ وطاب من باعة الطريق، نقف مثل مشردتين عند عربة تين شوكي نأكل بنهم وأفواه مفتوحة تماما مثل المتشردين، ونضحك، ونشعر أننا نملك الدنيا!

٨- صديقتي راقية جدا! لا يفوتها الذوق، ولا تجهل الأصول والاحترام أبدًا، ترفع قيمها فوق رأسها، ولا تنحدر أبدًا لشيء لا يرقى لها!

٩- صديقتي مثل العنقاء! تذبل وتنكسر وتقع لكنها تنهض من جديد! في كل مرة تخبرني أنها بلا طاقة، أنها لا تستطيع، أنها أنفذت كل الطرق والخير واستنفذتها وانتهت! لكنها تقف من جديد، تأتيني بعد سبات بفكرة عبقرية، وتدخل في سباق مع الزمن، تسجل إنجازات عظيمة، وتسعى في طرق شتى! كثيرًا ما أغار منها، أقول لنفسي عندي صديقة عظيمة، ناجحة قوية ومثابرة، أستصغر نفسي بجوارها، وأستحقر نجاحاتي حين أراها! لكنها غبية، لا ترى كل ما تفعل من عبقرية!

١٠- صديقتي مليئة بالحب! لا أحب فكرة أن يراها أحد وهي غاضبة، أو وهي جادة وحازمة، هذا الوجه الذي تحتم عليها أن ترتديه كي تنجو في هذا المجتمع القاسي يحجب رقة قلبها! قلت لك إنها شاعرة وفنانة، قلبها مليء بالمحبة، تمسح على وجه الدنيا كلها، حتى حين تصفعها الدنيا! صديقتي مليئة بالمحبة لكنها حزينة اليوم! غاضبة، حانقة، تشعر بالقهر قليلا أو كثيرًا، لكنها مليئة بالجواهر!


أقول لصديقتي افيقي، لو أنك ترين نفسك بعيوني! صديقة عمري وايامي، لا أملك أن أعدك بشيء عظيم نيابة عن الدنيا! أنا لست الله! لكنني أعرف أنك جميلة جدا، أنك تستحقين أن يسعد الجمال إليك راكعًا، أن تجدي الحب والشعر والفن في باحة بيتك، وأن تملكي الوقت كي تهتمي أكثر بأزهار المنمقة الجميلة!

لا أعرف ماذا تخبيء لك الدنيا، لكني أعرف أن ما فاتك منها كان أقل بكثير مما تستحقين! أعرف أنك سوف تحصلين يومًا على ما تطيب له نفسك ويطيب به قلبك!

أعرف أنك من القليلات جدا في هذه الحياة، أن من يدعك وحدك وسط الطريق هو الخاسر لا محالة! أنك وردة تؤنس الموحش، وأنك نهر عطف وحب يروي الظمئ، وأنك جميلة، جميلة جدا، لكن دموع اليوم تحجب عنك جمال روحك!

تذكري، أنت زنبقة نيل جميلة، تغلق أوراقها ليلًا لتشرق بصباح جديد، لعل الليل طويل هذه المرة، لكنها ستشرق، بلا شك!

ليتني بجوارك! 

ليت الحياة لم تباعد طرقنا يا صغيرتي!

لكني أحبك، رغم هذا الألم والبعد وكل الحماقات التي يرتكبها العالم، مازلت أحبك 💕

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق