السبت، 8 فبراير 2020

الخوف .... الشجاعة ... وأشياء أخرى!

تتأخر في تسليم عملها .... يشفق قلبي عليها، أعود إلى حجرة العمل حيث تجلس وأساعدها، يجن علينا الليل، نأكل ونشرب ونضحك ونكمل عملنا في حماسة مرة وفي ملل وتأفف وسباب متبادل مرة!

الجميع ذهب منذ زمن، والمكان شبه مظلم بالأسفل، نحتاج لعبور هذا الدهليز ثم ذاك الممر ثم الساحة حتى نصل للسكن، أمشي بخطوات واثقة وواسعة، أشق الطريق كأنه منتصف اليوم، أفكر فيما سأبدأ به أو سأمنح نفسي راحة نهاية الأسبوع؟ 

تناديني بخوف، تسألني ألا تخافين؟

بلى ..... أرتعب!

كيف تشقين الظلام بثقة إذن؟ لا شيء يخيفك!

هل عندك حل آخر؟

هل أبيت هنا حتى تشرق الشمس؟


زميلتي المسكينة لا تعلم كم أرتعب، كم أخاف من الحياة، من البشر، من السيارات السريعة، من أطعمة المطاعم، من المراحيض العامة، من الأيدي الغير نظيفة التي أضطر لمصافحتها، من العقول القذرة التي أحدثها، من العيون التي تشق ملابسي تحاول اكتشاف ما تحتها، من العمل الذي لا ينتهي، من الدراسة التي لا أفهم عنها شيء، من ورقة بحثية أو مقال أكاديمي أكاد لا أرى حروفه من شدة الرعب أني قد لا أفهم، أو أني تأخرت في تسليم عملي!
من صفحة كاملة أقرأها عشر مرات ولا أفهم، أشرحها لنفسي، أجد الكلام بسيطًا، تتسارع أنفاسي وتنهمردموعي، أبكي بجنون كالتي فقدت نفسها ولا تعرف كيف تعود إلى البيت لإنها هي الوحيدة التي تعرف الطريق هنا!
أتصفح الورق مرات ومرات، أقول لأخي لا أفهم شيء! لا أفهم شيء

بلا مبالغة أكاد أصل لعشر مرات أو أقل قليلا أو أكثر قليلا، أقرأ نفس الفقرة، آخذ نفس الملحوظات، أعلم، ألون، أكتب، أملي على نفسي، أشهق، أبكي، لا أفهم، أصرخ، أنا ضائعة ماذا أفعل!

أنهار تمامًا، أجلس على حافة السرير وأبكي بحرقة، أنظر للحاسوب ولا أعرف لماذا لا أفهم، أترك نفسي للسقوط، وبعد أيام أفتح الصفحات، أقول لنفسي أنا إنسانة أخرى، أو أقول لها لا مفر سوف نذاكرها ....
أقرأها، فإذا هي بسيطة، مفهومة، لا تستدعي كل هذا الصراخ، وكل تلك المشقة، لماذا انقطعت أنفاسي في العشر مرات السابقة؟ لا أعرف!

منذ يومين، كان علي أن أنجز مهمة، لم أقم من السرير لأكثر من عشر ساعات، وعندما خطوت خارجه كنت أقنع نفسي أني بخير، مر اليوم وأنا لا أريد أن أفعل أي شيء، مر اليوم وجلست بمنتصف الليل لا أعرف كيف أخطط للساعات القليلة الباقية قبل مهمة عمل طارئة بالعطلة، صليت، جلست أدعو كأن شيئًا لم يكن، أقول يارب ساعدني ,,,,, 
أنام في السرير وأنا أراجع اليوم، أعرف أني لم أفعل شيئا يستحق الذكر، ألوم نفسي

ثم أعترف ... ثم أنهار!

لم انجز عمل اليوم لإني كنت حزينة، كنت أشعر بالوحدة الشديدة والحزن، كأن الغربة فاجئتني تلك اللحظة، كأن الحزن فجأة قرر أن يضع بصمته، على حافة سريري، على جنبي اليمين، وجدت قلبي يلفظ كل ألم حبسه طوال اليوم، بدأت أبكي كالأطفال الصغار، أقول له يا ربي كنت حزينة، اليوم كنت حزينة، جمعت صلوات لإني كنت حزينة، لا أريد أن أقوم من السرير، ولا أن أغسل وجهي، ولا أن أفتح نافذتي وأرى العالم، لا أريد أن اذاكر، ولا أن أرتب يومي، ولا أن أغسل ملابسي، ولا أن أخرج، ولا أن ألتقي أحدًا .... 

تقول زميلتي ..... كم أنت قوية! ومستقلة، ولا يسهل الاقتراب منك ... يتعمل لك ألف حساب!

هل تعرف كيف أرتعب ليلا!
أني لا أخاف من الوحدة لكني أخاف من الناس؟
وأني أحب الهدوء والصمت وأكره الوحدة؟
وأني قوية لإني فقط وضعت كل الضعف بداخلي وصرت وصار أضعف من أن يظهر؟
وأني مستقلة لإني أتجنب وجود أحد بشكل مباشر وقوي في حياتي ... وصرت هكذا أريد لحياتي! أن أكون أنا وأنا وفقط!





اليوم أكتب ...... أني جبانة جدا، أخاف كثيرًا بل أرتعب، وأنه إذا فزعت تجمدت فلم أعرف ماذا أفعل سوى التظاهر أنه لا شيء يحدث!
اليوم أكتب، أني لم أكن يومًا شجاعة، وأن شجاعتي تجاه شيء كانت دومًا بدافع الخوف من شيء آخر

قال أحدهم، الشجاعة هي مواجهة الخوف

وقال أحمد خالد توفيق، في لحظة تخاف ترتعب تبحث عن الكبار لتحتمي بهم ثم تكتشف أنك صرت أنت الكبار!

في كل يوم، أفاجأ أني أنا الكبار، وأنا ... جدار متهالك لا يستر ولا يحمي!
كل يوم أواجه خوفي وحيدة، أخاف من أن يفترسني فألكمه، وأجري، فإذا أنزل الليل ستره علي صرت أبكي بشدة، لأني أخاف أن يعرف الخوف بخوفي فيفترسني وأنا وحدي!

يخرج لي الخوف أنيابه، أحيانًا ينتصر عليّ وأدور في غرفتي كالمجنونة، أصرخ أو أتلوى من المغص أو أدخل الحمام لفترة طويل وأحيانًا أغيظه، وألقي بيه بين السيارات المسرعة، وعلى حافة الهاوية وأقفز، أنتصر عليه وينتصر علي

كلانا صار يعرف قدر الآخر، كلانا يخاف الآخر، وكلانا يحترم الآخر!

هل يمكن للمرء أن يصادق الخوف؟ وأن تصبح أشباح الظلام هم أصدقاء الأنس بالليل؟

أمسكت نفسي مرة من ليلة، أشعر بأرق شديد، صورة التنين الكارتوني على كوب جديد اشتريته تنير بالليل وتزعجني، أشعر كأن روحًا تسير في الغرفة، أقول لها بثقة، أريد أن أنام لإن عندي يوم شاق غدًا، أجعل وجه التنين في مواجهة الحائط، أعود حافية أتلمس الطريق للفراش في الظلام، أنام!
أومن بالأشباح، التي نحتل بيوتهم بدعوى تعمير الأرض، والذين يحتلون أرواحنا بدعوى فراغها!
أحترمهم، ويحترموني، غير أن الخوف عاركني فصرعته، وعاركني فصرعته، وعاركني فصرعني ثم عاركته!
فرضت احترامي على الخوف، وتقبلت عنفوانه الكاذب، وبلونته الملأى بالهواء، تصادمنا، وتصادقنا، وصار الخوف يخبرني بالخطر في عظامي، وصار يصدقني القول تلك المرة، منذ تصادقنا، لم تكذب مخاوفي!

وتخبرني صديقتي كل يوم ...... كم أني شجاعة!! هه!

الأحد، ١٩ يناير ٢٠٢٠ أبوظبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق