الجمعة، 17 يناير 2020

الوقت يمر ..... الذاكرة لا تتسع!

كان علي أن أكتب قبل شهر كيف أن حياتي تغيرت في السنة الماضية ...... كيف أن آخر أشهر فيها كانت الأصعب والأجمل!

عجيب أن يحمل لنا القدر كل التناقضات! أن ينخلع قلب بسبب إنسان، وأن يتداوى جرحك بإنسان!
أن يسرقك البشر، وأن يأتمنك البشر
أن يبتعد البعض، وأن يتمنى وجودك الآخرين

وأين أنت؟ 

لا يجب أن يرى الإنسان نفسه فيمن اقترب ولا فيمن ابتعد، يجب أن يراها في نفسه، أنه قادر على كل شيء، أن يصبح قابلا لكل شيء، للأخذ والعطاء، للصحبة والوحدة، للمرض والمعافاة، للمنح حتى آخر نفس، والغرق حتى آخر نفس فيما تحب وفيمن تحب!

أعطتني الدنيا قبل خمس سنوات حلمي! الإنسان الذي طالما كان حلمي، كلما اقتربت منه أدركت أنني يجب أن أبتعد كي لا أغرق، كنت أعرف أني إن اقتربت سوف أغرق، نفذت منس السبل للهرب، فما كان مني سوى الغرق عميقًا عميقًا ...

وبقدر الغرق، بقدر الحب الذي كان يجتاحني أنا قبل أن يجتاحه، كنت أخاف من تلك النهايات، لإدراكي الضئيل وقتها أنه من المستحيل أن تمنحني الدنيا كل هذا القدر من الحب على طبق من فضة، أصابني وجوده بالهلع، ورغم كل الطمأنينة التي تحملها أنفاسه وصوته كنت أصاب بالهلع، متى ستقضي الدنيا على حلمي؟ متى ستأخذه بعيدًا، في الحقيقة رسمت الكثير من السيناريوهات السوداء، ماعدا واحدًا ..... أن يلوح لي من بعيد ويقول عذرًا لم أقصد أن أحبك أو أن أجعلك تحبينني، أحبك لكن ليس هكذا!
من فرط ثقتي به، برجولته، بأخلاقه، بعاطفته الطيبة، بعينيه الحانيتين العميقتين، من فرط ثقتي بهذا الدفء في يده، بتلك الحميمية في صوته، بهذا التعب الذي يلقيه تحت قدمي ليريح رأسه في حجري، بكل تلك الضحكات التي خرجت من قلبي، وبكل تلك الكلمات التي تقول "أحبك، شكرًا لأنك هنا، أنا أسعد رجل بالعالم، كنت أعلم أنك موجودة بهذا العالم، كان على هذا الحب أن يسكن لإنسان ما وقد وجدتك، كنت أعلم، كنت أعلم"  لم أتخيل لوهلة أنه سيدفن كل تلك الأشياء، والأمرّ من كل شيء إنكاره واستنكاره وحنينه لامرأة ولّت، عذبها حتى ولّت، مرّرّ حياتها حتى ولّت، أبكاها بكل لحظة حنونة بينهما دمًا حتى ولّت، وجدها غيره كالجوهرة فأخذها درة لتاج رأسه، حفظها وكرّمها وأشهر للعالم حبه لها، هذا الحب الذي هرب هو منه .... كنت أسأله لشهور من أنا؟ وظللت أسأل نفسي لسنوات ما كان كل هذا الحب وأين ذهب ومن أين جاء!

المادة \ الطاقة لا تفني ولا تستحدث من العدم! هكذا تعلمت! فأين كل ما كان!

بقدر الحب، بقدر عمقه، بقدر حلاوته، كان الثمن، كان المرض، كان الألم، كانت السمنة المفرطة في شهور، كان شرهٌ للسكر، كان ألم لا توصيف له ولا آخر حتى جعل الموت رحمة!

كل لحظة ضحكت فيها معه، بكيت شهورًا مقابلها! لم أبك فقط لكني تحولت تمامًا!

أعطتني الدنيا أصدقاء، سقط الكثير منهم وبقي من يحصى على أصابع اليد!
صدق أو لا تصدق، قبل شهور أعمق صداقاتي أو ما كنت أظنها كذلك، انهارت، كأنها لم تكن، كأني لا شيء، كأني في حيوات الناس عدم، آلة تعطي كل شيء في جعبتها ولا تأخذ إلا الرفض والطرد والتجاهل والتخطي!

قبل أعوام قليلة، ارتحل العضد الذي أستند عليه إلى بلاد كانت بعيدة قبل أن أستوطنها قبل شهور، واجهت الدنيا بيد خالية وصدر عارٍ وظهرٍ مجلود ..... واجهت الدنيا وليس في حلقي سوى الصراخ وليس في قلبي سوى المرارة!


العام الماضي، بدا وكأن الحياة تحاول أن تصالحني!
العام الماضي كان الأشقى
العام الماضي كان الألطف
العام الماضي كان الأحزن
العام الماضي كان الأجمل!

كان كل شيء وعكسه تماما!

العام الماضي كان مديري الجديد تماما يفتخر بكوني من فريقه! كان يعطيني كلما تلاقينا نظرة تجعلني أذهب للسماء بجناحي رضا!
العام الماضي فقدت صديقة مقربة لتسع سنوات متواصلة!
العام الماضي اكتسب صديقة لم أكن أعرف قدر محبتها لي!
العام الماضي فقدنا زميلة طيبة بقلب نقي سبقتنا للسماء!
العام الماضي أنجبت رفيقتي طفلا يشع بسمات جميلة ويضحكني ويأتيني ويلاعبني
العام الماضي كنت أستعد للاستقالة تمامًا
العام الماضي تم قبول نقلي لبلاد أجمل وأفضل!
العام الماضي اختبرت نوبات الهلع القوية والمترابطة والمتزامنة بأحداث والمفاجئة والثقيلة والقوية
العام الماضي رجعت لحضن أخي الذي افتقدته طويلا!
العام الماضي اختبرت أفكار انتحارية!
العام الماضي وضعت خططًا للمستقبل
العام الماضي قتلني من كان حلمي!
العام الماضي اختبرت شعورًا طيبًا مع أحدهم!
العام الماضي كان الألم ينهشني
العام الماضي تعلمت كيف أحيا وحدي
العام الماضي كرهت الوحدة!
العام الماضي صادقت نفسي
العام الماضي فقدت ثقتي بالعالم
العام الماضي وجدت الغوث عند خالقي
العام الماضي كفرت بالحب!
العام الماضي تزينت لإنه أعجبني أحدهم وأعجبته!
العام الماضي جلدت نفسي لضياع سنوات من عمري في الاكتئاب والانتظار
العام الماضي تم قبولي في دراسة عليا!
العام الماضي رأيت ضعفي عاريًا!
العام الماضي وجدت قوتي جلية!
العام الماضي كنت طفلة تبكي كسر لعبتها وتلعن العالم
العام الماضي كنت امرأة تعرف أي عطر تختار للصباح وأيهم يناسب المساء
العام الماضي ابتعد عني العالم
العام الماضي اقترب مني الله!
العام الماضي كنت عمياء تحاول السباحة وتخاف من الغرق وتبلع الماء وتشرق وتشهق وتبكي
العام الماضي كنت بصيرة تطفو بكل ثبات على الماء وتمتع نظرها بزرقة السماء
العام الماضي كنت آكل كثيرًا بشكل شره وجنوني
العام الماضي خسرت ثمان كيلوجرامات من وزني في شهر بحمية غذائية ممتعة
العام الماضي لم أقص شعري ..... جلست لأربع ساعات في الكوافير، زينت شعري، ونظرت لتلك المرأة الجميلة في المرآة، ينسدل شعرها على ظهرها وكأنه شمس جميلة لإنه ليس ليلا!
وقلت في نفسي ..... بالله كيف لا تكون تلك الجميلة أميرة الأميرات؟ وسيدة الجنيات الطيبة؟ وبطلة من بطلات ديزني؟
العام الماضي تبعت حمية غذائية بلا سكر ...... بلا طعام مصنع ...... بلا طعام جاهز ....... بلا منتجات ألبان كثيرة
العام الماضي امتلأت معدتي بأكلات لذيذة لم أعرفها من قبل!
العام الماضي كان كل فرد في أسرتي الصغيرة في مدينة!
العام الماضي اجتمعنا كلنا بنفس المدينة!

أنا ممتنة! 

لكل تلك الوجوه التي قابلتها، لكل تلك الذكريات التي تتسارع وتتصارع، لكل الحنين الذي شعرت به لحبي القديم، لكل النسيان الذي محى أثر لمسة يده ودفء أنفاسه، لكل لحظة أساء فيها معرفتي، وكل لحظة عرفني فيها وندم، أنا ممتنة لنسيانه وجودي، وجرحه لي، وكشفه عن مدى قسوته وجنونه، أنا ممتنة لتركي وحدي ثانية على قارعة الطريق، أنا ممتنة للصداقات التي انكسرت، للعهود التي لم تحفظ، للكلمات الخاوية التي لا معنى لها ولا صوت ولا صدى، أنا ممتنة لأطفالي الذين تركتهم خلفي في مصر، أنا ممتنة لملائكتي الذين يمنحونني كل يوم حضنًا طيبًا وبسمة، أنا ممتنة لرفيقتي الأردنية التي تتصل بي فجأة وتقول " وينك سارة اشتقت لك" أنا ممتنة لؤلائك الذين يعبرون بجانبي بلا تحية! أنا متتنة لرئيسي الجديد في العمل، الذي جعلني أمتن لرئيستي السابقة وأرى جانبًا منها لم أعرفه من قبل، أنا ممتنة لمديري الجديد الذي يجعلني أضحك أحيانًا رغم صرامته، أنا ممتنة لسكني وحدي في بلاد غريبة لأربعة أشهر متوالية، أنا ممتنة للصمت، وممتنة للضحكات، وممتنة للبكاء لإني لم أنجز كل أعمالي، أنا ممتنة لأخطائي التي كسرت أنفي، وممتنة لصمودي الذي يرفعه عاليا للسماء، أنا ممتنة لكل تلك الركلات التي ركلتها الحياة في بطني وقلبي، لكل السياط التي جلدت ظهري، لكل الحبال التي التفت حول عنقي، لكل النصائح المضللة، ولكل النصائح الصادقة! ممتنة لكل الوقت الذي يمر، والذي مر، والذي ظننت أنه مر بلا فائدة، رغم أن المعاناة فائدة!

أنا ممتنة لله .... وحده .... لكل هذا .... لكل الذي يجعلني أقف وحدي بالحياة، لأراني ... لأراه .... لأراه بداخلي وفي، ولأراني معه وعنده .... لأني من قبل لم أكن أراني .... لم أكن أراه ... لم أكن أرى!

في العام الماضي ...... أكلت عسلًا عند سيد كريم ..... ذهبت له في آخر أيام العام الماضي .... قلت له سيدي بالله ضيفني بالعسل، أشتهي حلاوته ..... تأخرت الضيافة وأنا على موعد سفر بعد يوم، استأذنت منه وهممت بالرحيل وأنا والله ممتنة لسماحه بزيارتي، فإذا بالخادم يدخل بالعسل ..... أكلت من العسل ما اشتهيت ... أكلت وكأن العسل ينزل إلى قلبي!

الحمدلله!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق