الأربعاء، 16 يناير 2019

لا يمكن للخوف أن يحكم!

لا يمكن أن يكون الخوف هو المسيطر على تلك الأمور كلها!

أعلم أنك قد وثقت بتلك الأماني الطيبة، وتلك الأحلام الجميلة، أعلم أنك قد وضعت جوهر قلبك في كف يده، ووضعت درة عقلك في عينيه، فصار الأمر كأنما خلقت فراشة وكأنما خلق زهرة وملاذًا.

أعلم أن كل ما يحدث فوق استيعابك، تنكرين يومًا، وتهربين أيامًا، ويقعدك المرض في الفراش لأسابيع، لا تعرفين مساءًا من صباحٍ.

أعلم أنك تسيرين في الشوارع ثم فجأة تسألين، من أين؟ ومن أنا؟ وما الذي جاء بي إلى هنا؟ ولأي سبب خرجت من بيتي؟ عندي بيت؟
تقفين في منتصف الطريق كالمخبولة، تشعرين بأن نسيم الصيف الناعم وخز إبر، وأن حفيف أشجار الخريف أشباح تنهشك، وأن صفير رياح الشتاء هي الغول!

تبحثين عنه، ثم من جلّ ما تبحثين عن مفقود يصير مجهولًا، تتوقفين عن البحث فجأة وتقولين: إنني أبحث عن شخص ... عن غالٍ .... عن عزيز .... من هو؟ من كان؟ ما اسمه؟ كيف كان يبدو؟ هل أحبه؟ أعرف أني أحبه جدًّا ولكن لا أذكر أي شيء!

دقائق تمر قبل أن يوقظك من غفلتك الصحوةِ شيء أو أحد!

تسألين نفسك ... كيف كان؟ كنت أحلم؟
تمسكين هاتفك في يوم عادي، يوم يمر بلا جنون أو تساؤل، يوم تحاولين جعله يبدو فارغًا من الخوف والقلق، تبحثين عن شيء ما، مكان قديم كنت قد سافرت إليه، تفاجئك صورته .... تنقبضين ... تنبسطين ..... ترتعشين فجأة ... يصيبك دوار لم تعرفي سببه بعد ويسارع القولون في الدفاع الواهم عن شبح!

يعجز بلعومك عن البلع، ويسألك طفل أو صديق أو زميل عمل عن الصورة، فتنظرين إليه وتقولين أي واحدة؟ هذه، الماء ... تلك بحيرة؟
كبلهاء تظفر بطوق نجاة، نعم ... بحيرة مالحة وهذه بحيرة عذبة فيها سمك .. أعتقد هكذا أخبروني ...

تلملمين شعثك وبعثرتك، كل يوم يشبه سابقيه .... أين تهربين؟ وفي كل سفر تحملين كل الخطايا في حقيبة ظهرك ... تبدلين الحقائب والثياب والمنازل والبلاد ... ومازال عبق خفي يظهر فيكتم أنفاسك ويمغص معدتك ويجثم على قلبك فتصيرين مثل الجثة المتحركة!

تخافين .... كل شيء .... تخافين العودة وتخافين اللاعودة، تخافين حتى من الأمل .... وتخافين من اليأس ... تخافين أن تسافري إلى ذات البلاد ... أخفيت عنه أنك كنت ترتبين أوراقك في نفس الوقت لزيارة سريعة ثم عدلت عن الأمر كله لأنه يرتب حقائبه إلى هناك!

تخافين الوحدة، وتخافين البشر، تخافين أن تلفظي بكلمة سيئة، وتخافين أن يقتلك السكوت، تحبين الأيام التي تصابين فيها بداء الحنجرة، تمتنعين من الكلام بأمر الطبيب، تجلسين في غرفتك أو على الأأريكة لساعات النهار وتدفعين الليل دفعًا كي ينتهي أو تمسكين بأطراف ثوبه قبيل الفجر كي لا يرحل!

في كل مرة تضعين أصابعك الصغيرة على شفاهك الدقيقة، تمسكين لسانك، ترتبكين، تظهرين شجاعة لا يعرفها باطنك بشيء، تقولين هل أخطأت؟

ترتفع ضحكاتك بشدة، تصبح ضحكة عصبية في كثير من الوقت، ضحكة تفرغين فيها كل البكاء الذي أقسم أن يحتبس بعد سنوات من الهروب من عينيكِ.

تحاولين في كل الوظائف، تتحمسين، تطلبين الانتقال من العمل، ثم؟؟؟؟؟ في ركن قلبك تتكورين على نفسك، ويمتلك الخوف زمام الأمور ..... أين أذهب؟ ومن أقابل؟

تخافين الخطأ، لطالما كنت تخافين الخطأ وتنشدين الكمال، فإذا ما صرت امرأة كاملة جاء الذي يهدم كل شيء بكذبات منمقة!

مازلت تنشدين الكمال، مازال الوقوف يقتلك، مازالت الخطوات البطيئة تزعجك، تنقمين على نفسك كل هذا الخوف، وتخافين أن تكسرك القسوة أكثر، فتتكورين كجنين لا يريد المجيء للدنيا تنشدين النوم أو البكاء فلا أحد يأتي!

لا يمكن للخوف أن يحكم أكثر!

لا يمكن أن يجعل أحدهم واقف ببابك وانت تخافين أن تفتحي له أي باب!
لا يمكن أن يجعلك تقدمين أوراق توظيفك متأخرة رغم فروق التوقيت!
لا يمكن أن يودع كل رسائلك للعمل والدراسة في المسودات، تنتظر لحظة شجاعة للإرسال والإقدام!

لا يمكن أن يمنعك الخوف من الخطأ، سوف تخطئين، وهكذا سيحدث في كل مرة ... الخطأ خطوة مثلما الصواب خطوة!

لا يمكن أن يجعلك الخطأ في مرة تفقدين كل الثقة في نفسك، تجلدينها كل ساعة أن وضعت كل الحب في يد أحدهم وكان غبيًا، كان نذلا، كان وغدا، أو كان جبانًا، لا يمكن للخوف أن يمنعك من الخطأ، الخوف سوف يمنعك من كل شيء.

الخوف سوف يمنعك من الحياة! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق