" لقد فعلت كل هذا من أجلكِ .. تركت عملي، سافرت لبلد آخر، غيرت ملامح حياتي، كل تلك التضحيات كانت من أجلك ..!"
"لكنني لم أطلب هذا أبدًا، ولا يعنيني!"
==============================
"ظهري يكاد يتفتت من الألم، الصداع يفتك بي، حرارة المطبخ لا ترحم، وصراخ أبناءك لا يكف، لقد ضحيت بكل شيء وأنت لا تساعد أبدًا"
"لكني لم أطلب منكِ ذلك! ولقد عرضت من قبل أن تحضري مساعدة وأنت مازلتِ ترفضين!"
==============================
"في كل مرة أحضر لهذا المكان الممل من أجلكم، لقد ضقت ذرعًا به، كل مرة أضحي من أجل سعادتكم، أريد المغادرة"
"لكنك لم تعترض أبدًا على المكان! ولم تقدم اقتراحًا آخر!"
=============================
كل تلك المشاهد تتكرر، بطريقة أو بأخرى، شخص متطلب وواثق، وشخص يرضخ ويضحي وينتظر، والنهاية؟ انفجار أعنف من تسونامي.
"التضحية ليست فضيلة"
قرأت هذه الجملة يومًا لا أذكر أين، وعلقت في رأسي، كيف؟ وماذا تعني! حتى علمتني الحياة بكل الطرق، أن التضحية ليست فضيلة، وإنما هي اختيار حر وقرار واعي.
فبينما تظن أنك تضحي براحتك، فإن الآخرين يرون قرارًا من بالغ عاقل رشيد، يرتاح أيضًا لما يفعل، ولا يفهمون أبدًا لماذا عليهم تحمل تبعات انفجارك غضبًا، سئمًا، ألمًا أو مرضًا.
إذا كنت كل يوم تتبرعين بطعامك لأبناءك الصغار حتى صرت هزيلة محملة بنقص المناعة وسوء التغذية، فعلى من تؤول العاقبة؟ على صغار لم يطلبوا منك أن تتبرعي بطعامك؟ أم عليكِ لإنك فرطتِ في حقك؟
إذا كنت تضحي بكل وقتك في أعمال شاقة حتى تسعد أبنائك برفاهيات يمكنهم العيش بدونها، فمن المسئول؟ وإن كنت تترك ما تعرفه بلا خطة واضحة، وبلا حساب دقيق لما يترتب عليه تجاهك فمن الملام؟ زوجتك؟ أبناؤك؟ أم الفرصة اللامعة التي ظهرت لشريكة عمرك؟
وإن كنتِ تجلسين بنفس ضيق في حفل صاخب لإن حبيبك معجب كبير لهذه الفرقة، ثم ينتهي الحفل بعد نهاية صبرك بثلاث ساعات، فلماذا يجلس الشاب بكل الضجر وحده؟ ولماذا تجرفه تسونامي دموعك بلا رفق وبلا مرسى!
"لقد ضحيت من أجله\ـها\ــهم"
لكن الحقيقة، أن تلك التضحية تمزق علاقتكم، وتنهش في المودة، وتخنق المحبة، وتصارع الصبر، وتحرق الأرصدة!
الحقيقة أن تلك الجلسة المتأفئفة خلال الحفل جعلت شريكك متعجل للخروج، وهذا الصراخ جعل أطفالك يشعرون بالذنب لأنهم يجوعون ويلعبون، وهذا الضجر ودور الضحية جعل حبيبتك تشعر فجأة أنها في الشارع وحيدة بلا زوج وبلا سند.
الحقيقة أن تلك التضحية ليست فضيلة حتى تمنحك الحياة نجمة على صدرك، وحتى يصفق لك أبناؤك مع كل وجبة، وحتى تسجد لك شريكتك مع كل نجاح لها، وحتى يحملك حبيبك على كتفيه طوال الحفل لأنك تكرمتِ وحضرتِ معه!
أين الفضيلة إذن؟
بعد معاناة سنوات مع أناس حولي يحولون كل عمل تجاهي إلى فضيلة وتضحية والكثير الكثير من الدراما، وبعد انتظاري أنا شخصيًّا النجمة الذهبية لتوضع على صدري، وبعد الكثير من المغص والقولون العصبي، واللهاث، والقهر والبكاء، وجدت أن كل الفضيلة في "لا" ببساطة!
المجد للشيطان معبود الرياح
من قال لا في وجه من قالوا نعم!
"لا" لن أسافر بلدًا آخر وأتخلى عن عملي هناك لكننا نستطيع أن نجد مخرجا، وتكون التضحية هنا أن أسافر أنا مرة وتسافرين أن إلي أخرى!
"لا" لن أطعم أبنائي نصيبي من الغذاء، ولن أنتظر حتى يأكلون كي آكل، سنأكل معا ونشبع معا ونسعد معا ونحتمل معًا.
"لا" لن أقف خمس ساعات أحاول خبز كعكة أستطيع شراءها في خمس دقائق، وستكون فضيلتي أن أكون صبورة وهادئة مع أبنائي.
"لا" لن أحضر الحفل الصاخب الذي يهز أواصري قلقا وفزعا وضوضاءً، وستكون فضيلتي أن أحظى ببعض الوقت وحدي لأستعيد طاقتي لتوطيد العلاقة
"لا" لن أحترق من أجل أحد، وفضيلتي أنني لن أحرق الآخرين بنيران كان بإمكاني ألا تشتعل من البداية!